📹 العد العكسي.. دور الدستور في الفصل بين الديني والسياسي في المنابر
فتح برنامج العد العكسي، أحد أكثر الملفات حساسية وإشكالية في الوقت الراهن، في حلقته 15، وهو ملف تدخل الدين في السياسة، أو تسييس المنابر الدينية، حيث حادت بعض دُور العبادة عن دورها الروحي والعقائدي، إلى أدوار سياسية أخرى، تخدم دعوات التحريض، والتحشيد، والاصطفاف السياسي، فمن يتحمّل مسؤولية تسييس المساجد، واستعمال منابرها للدعاية الانتخابية تارة، وللخطاب التكفيري الذي يستهدف الخصوم تارة أخرى؟ هل هي السلطة الحاكمة؟ أم جماعات التيار الإسلامي؟
حلقة العد العكسي، التي حملت عنوان “دور الدستور في الفصل بين الديني والسياسي في المنابر”، سلّطت الضوء على محورية الدستور في رسم حدود العلاقة بين الدين والسياسة، في دولة تتوق لترسيخ مفاهيم الدولة المدنية، ودَور المفتي المعزول عبر صناعة الفتوى، وأشركت ضيوفها في نقاش عميق حول المسألة، وهم: الباحث وسام الصغير، ورئيس مركز السلام فرج نجم، والباحث صلاح نقاب.
وافتتح الباحث وسام الصغير حديثه بالإشارة للعلاقة الجدلية التي ترتبط بالمفاهيم الشائكة والمتداخلة، والتي اختصرها الكاتبان محمد الجابري وجورج طرابيشي عبر مناظرتهما الفكرية في مؤلف نقد الفكر العربي للجابري، والذي ربط فيه ضرورة أن تنطلق القيم من الخصوصية المجتمعية، رافضاً بذلك فكرة كونية القيم، وردّ جورج طرابيشي عليه في مؤلفه “نقد نقد الفكر العربي”، الذي طرح من خلاله طرابيشي فكرة كُلية القيم التي يجب أن لا تتجزأ وتُؤخذ بمجملها.
من هذه الزاوية طرح “الصغير” رؤيته التي تنطلق من التجربة التونسية في معالجة العلاقة بين الدين والسياسة عبر صياغة دستورية استفادت من التجارب المحلية، بالإضافة للتجارب السياسية الغربية، مشيراً إلى الخلط الكبير بين الدين والسياسة، والذي عدّه علامة على وجود مشكلة تكمن في الجانب الثقافي المجتمعي، الذي لا يتحمّله فريق واحد، مؤكداً على أهمية أن تكون هناك خصوصية للمجتمعات تأخذ تجربتها في عين الاعتبار عند صياغة مفهومها للدولة.
وفرّق “الصغير” بين مفهومين متقاربين، وهما مفهوم اللائكية الذي تتبناه المدرسة الفرنسية ويعني القطيعة بين الدين والدولة، والعلمانية التي تعني الفصل بين الدين والسياسة، معتبراً أن المفاهيم المغلوطة التي تدور حول النموذج اللائكي تستغله الفرق الدينية المتطرفة كذريعة للسيطرة على المساجد وتحويلها لساحة صراع بين المجموعات والفرق المختلفة.
وأشار “الصغير” للتباين الموضوعي بين الشريعة ومواثيق حقوق الإنسان، لافتاً إلى أن دمج الشريعة بالقانون سيضُر بالدين الإسلامي نفسه؛ لأنه سيُشوَّه بتداخلات السياسة وحساباتها، مُعرباً عن أمله في أن تبدأ المجتمعات العربية حوراً استراتيجياً يضم كل المجموعات الفاعلة، ويبتعد عن المرحلية والحلول المتعلقة بالقضايا الظرفية التي تمر بها مجتمعاتنا.
ودعا “الصغير” الفرقاء السياسيين في ليبيا لوضع خارطة للتنافس السياسي، منوهاً إلى تحمّل المسؤولية الجماعية في إبعاد المساجد عن السياسة، ومنح الدستور دوراً محورياً في معالجة هذه العلاقة أُسوة بالتجربة التونسية، مؤكداً أن الشعب هو من يدفع تكلفة سيطرة الإرهابيين على المنابر الدينية، مُحذراً من استغلال الشعوب لخدمة مصالح فئة أو مجموعة بعينها.
من جانبه شخّص الباحث صلاح نقاب إشكالية التداخل بين السياسة والدين في الإطار المفاهيمي المتعلق بفهم دور الدولة، حيث تُلزم الآراء الفقهية المواطنين ضمن خياراتهم الفردية ويجب أن لا تكون ملزمة للدولة، فتبني الدولة لآراء فقهية مُعينة، وفق “نقاب” ينتزع الحق المقدس للمواطنين في اختيار هويتهم الدينية، فالأمر “مرهون برؤيتنا للدولة وهناك مغالطة في فهم معنى العلمانية”.
وانتقد “نقاب” دور المساجد في ليبيا التي أصبحت تُشجّع على العنف وتجاوزت دورها في دعم السِلم الأهلي، داعياً إياها لبدء حوار مجتمعي وأن تبتعد عن التشجيع على العنف، مشيراً إلى جزئية تعدد المذاهب الإسلامية التي تطرح التساؤل حول أي المذاهب أولى بأن تتبعه الدولة؟ ومَن يملك سلطة وصف مذهب بعينه بأنه متطرف؟
وفي تأصيل المصطلحات يرى “نقاب” أن العلمانية تعني حياد الدولة، وهو مصطلح وافد على اللغة العربية، منتقداً استخدام المصطلح في سياقات سلبية، كما أبدى انزعاجه من استخدام بعض الفتاوى التي عدّها مجرد رأي كوسيلة لتكفير أو إقصاء شرائح للمجتمع، في إشارة للفتاوى المتعلقة بتكفير “الإباضية” التي تؤثر سلباً على مبدأ المواطنة.
أما رئيس مركز السلام فرج نجم، فقد رأى أن العلاقة بين الدين والدولة قديمة والإشكاليات المتعلقة بهما في الحالة الليبية مستوردة، وهناك انسجام بين الهوية العربية والدين الإسلامي في ليبيا التي لا يوجد بها مذهبية، وفق قوله.
ويرى “نجم” أن الإسلام السياسي تبنّى العنف في ليبيا لفرض رؤياه، وهذا أدى لصدام بينه وبين القبيلة، ووفقاً لتوصيف نجم فإن ليبيا تعاني من التمظهر السياسي باسم الدين التي زكتها المصطلحات الوافدة كالإسلام السياسي والقومية، مبدياً رفضه لمسودة الدستور المعتمدة من الهيئة التأسيسية والتي قال إنها استنسخت تجربة ولاية الفقيه في ليبيا.