ليبيا.. من الريادة السينمائية إلى الإغلاق الكامل
218 خلود الفلاح
منذ عقود والإنتاج السينمائي الليبي في وضع الركود نتيجة عدة عوامل لعل من بينها أن الفنون والآداب كانت في آخر سلم اهتمامات الدولة الليبية.
ويعود تاريخ السينما في ليبيا إلى حقبة الاحتلال الإيطالي في عشرينيات القرن الماضي، أما أول دار عرض للسينما في ليبيا فهي (سينما توغراف باب البحر) بطرابلس والتي اتخذت من قوس ماركوس أوريليوس مدخلا لها وكان ذلك العام 1908، قبل الغزو الإيطالي.
ما الذي حدث بعد ذلك، وتحولت ليبيا من دولة رائدة سينمائيا إلى التوقف ثم الإغلاق لكل دور العرض؟
قال المخرج عبد الله الزروق: في العام 1968، وصلت إلى ليبيا معامل التحميض والطبع السينمائي وآلات المونتاج والتصوير من شركة (ARRI) الإلمانية، وهي شركة مصنعة لكل معدات السينما العالمية. وكان وزير الثقافة والإعلام في ذلك الوقت الراحل أحمد الصالحين الهوني.
في ذلك الوقت كانت السفارة الأمريكية تنتج فيلما قصيرا كل شهر عن أهم الأحداث التي تقع في ليبيا باسم (ليبيا اليوم)، وكل صُناع هذا الفيلم من التصوير إلى التحميض إلى المونتاج إلى العرض هم فنيون ليبيون منهم الأستاذ أحمد الدرناوي والراحل العربي عبد السلام والراحل الهادي الغول والأستاذ سعيد حقيق وغيرهم.
وتابع: كانت (أفلام ليبيا اليوم) التي لا تتجاوز مدتها سبع دقائق تعرض في دور العرض قبل الفيلم الرئيسي. بعد ذلك تم نقل صُناع (أفلام ليبيا اليوم) إلى قسم الإنتاج السينمائي في وزارة الثقافة والإعلام، وبدأ العمل في المعامل الجديدة وتم إلغاء فيلم (ليبيا اليوم الأمريكي) واستبدل بـ(الجريدة الناطقة) الليبية وبدأ الاهتمام بالسينما وتم إيفاد مجموعة من الفنيين إلى تونس في دورات تدريبية في التصوير والمونتاج والصوت والمعامل.
وعلى جانب آخر يتابع ـ الزروق ـ “في العام 1970، تم تجهيز استوديو للصوت وأصبح بالإمكان إنتاج أفلام سينمائية روائية. وكانت ليبيا متقدمة على الكثير من الدول العربية في ذلك الوقت سينمائيا، وكان قسم الإنتاج السينمائي مدعوما بفنانين كبار ومتخصصين منهم الراحل فتحي العريبي، والفنانين علي الخلفوني وسعد الدين عقيل، وعبد المجيد احميد. وبدأ الحلم يكبر وأسس الفنان الراحل محسن الطمزيني شركة إنتاج فني بعد مجيئه من فرنسا، وأنتج فيلمين تسجيليين عن صبراتة ولبدة”.
تعتيم إعلامي
من جانبه، أشار المؤلف والمخرج عادل الحاسي إلى أن الفن في ليبيا يواجه إرهابا من نوع آخر. من أولئك الذين يتسترون بالدين. والإسلام منهم بريء، هؤلاء قاموا بحرق الكتب، وتشويه الآثار، وبيع ونقل قطعنا الأثرية خارج البلد، يعتدون على المقرات ويشوهون المبدعين وآخر ما فعلوه هدمهم لآخر صرح للسينما وهو دار الرشيد. والآن هناك مجموعة ممولة في الخفاء تنتج فناً مؤدلجاً لصالح جماعات يرفضها المواطن الشريف. وبدل أن يكون الفن هو من يواجه الإرهاب استخدم الفن لمناصرة الإرهاب.
وعلى جانب آخر يتابع ـ الحاسي: منذ سنوات لم نضع الرجل المناسب في المكان المناسب. لهذا لم ولن نقدم ونتقدم في أي مجال زد على ذلك أن الحرب على الفن لا تزال قائمة، فإغلاق دور السينما ما هو إلا نوع من أنواع التعتيم الإعلامي، لأن السينما هي ركن أساسي من أركان الحضارة والفكر، ولها دور مهم في عكس روح العصر، وإدانة التخلف، وفتح عيون المشاهد ليرى في الصورة المرئية واقعه، وظروفه”.
ويتساءل الحاسي. كيف يمكن أن تدور العجلة الفنية وهي فاقدة لأركانها الأساسية؟ مستطردا:
نحن الآن لا نمتلك دور عرض سينما ولا مسارح. كيف لها أن تدور إذ هي تفتقر للوسائل الإعلامية التي تُسلّط الضوء على قضايا المجتمع، وتنقل صوته بموضوعية أكبر من وسائل الإعلام المقيدة بسياسات صارمة.
ويذهب المخرج عادل الحاسي إلى أن محاولاتنا السينمائية خجولة جدا، ويضيف: “السينما تحولت إلى صناعة حقيقية ذات مقومات اقتصادية لا يمكن الاستهانة بها. حيث أصبحت تلعب دوراً هاماً في اقتصاديات الدول والمجتمعات التي تهتم بهذه الصناعة كأحد مصادر الدخل القومي مثلها مثل أي صناعة قومية أخرى تشكل نسبة هامة في إجمالي الناتج القومي لتلك البلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية والهند وغيرها من البلدان الأخرى. ونحن أين من هذه الصناعة؟”.
سينما الشباب
في المقابل، يرى الصحفي عصام شعيب ـ متخصص في الصحافة الفنية ـ أن هناك جهود شبابية تعمل باجتهاد وتميز. أفكارهم نيرة ومحاولاتهم متواصلة لخلق سينما تحاكي واقعهم وتلبي أحلامهم وطموحاتهم الفنية، يمكن تسميتها “سينما الشباب”، اليوم تقام لها مهرجانات دورية ومسابقات عربية وعالمية وهي سينما تعتمد في الأساس على التكنولوجيا الرقمية. وغير مكلفة ماديا عكس ما كان سائد في السينما القديمة أو الكلاسيكية إن صح التعبير. هذه السينما تعتمد على شريط وصور متحركة ولها أماكن مخصصة لعرضها، وأيضا جمهور.
وقال “شعيب”، السينما اليوم أضحت أهم مورد مالي لبعض الدول مثل أمريكا والهند وتحولت لديهم إلى صناعة تجارية مربحة.
وطالب “شعيب”، بضرورة وضع رؤية جديدة للسينما في ليبيا يشارك فيها الجميع بدون استثناء ابتداء من الحكومة والقطاعات المختصة وصولا إلى القطاع الخاص والفنانين أنفسهم.
موضحا: لا يمكن أن نضع اللوم كله على الهيئة العامة للخيالة والمسرح ونطلب منها إنتاج أعمال سينمائية وهي أساسا لا تصرف لها ميزانيات من سنوات. الدولة ملزمة أن تصرف بسخاء على الأعمال الفنية سواء سينمائية أو درامية إن كانت تريد فنا وثقافة فعلا. وأيضا مطالبة باسترجاع كل دور العرض التي تم الاستيلاء عليها وتم تحويلها إلى محلات تجارية.
وتابع: لا يمكن أن ننكر مجهودات المخرج الدكتور محمد المسماري والذي يناضل بمجهوده الشخصي في كل المحافل الفنية الخارجية لأجل أن يعطي صورة جميلة عن السينما في ليبيا. وكذلك المخرج رمضان المزداوي الذي عمل بجد ومثابرة على تأسيس وخلق مهرجان مزدة السينمائي ليكون رافدا مهما للثقافة والفن في بلادنا.
سيطرة الفكر الواحد
أوضح المخرج عبد الله الزروق، أن الشركة الليبية للإنتاج السينمائي هي أول شركة إنتاج وطنية لمديرها الأستاذ علي الهلودي. قامت بإنتاج فيلم (عندما يقسو القدر)، وفيلم (الطريق) وهو فيلم طويل للمخرج الفلسطيني يوسف شعبان محمد.
وتابع: كنا شهود على تجربتين فنيتين متكاملتين. إلى جانب إنتاج الكثير من الأفلام التسجيلية.
وبدأ التفكير جديا في إنتاج العديد من الأفلام إلى أن صدر قرار إنشاء المؤسسة العامة للخيالة التي قامت بتأميم دور العرض بعد أن كانت تتبع القطاع الخاص. ووضعت الدولة يدها على الإنتاج السينمائي وأصبحنا نفكر بفكر الدولة وتلاشت الأحلام.
وأضاف: للأسف لم تكن هناك متغيرات كثيرة على مستوى الإنتاج السينمائي الليبي. فقد قامت المؤسسة العامة للخيالة بإيفاد مجموعات كبيرة لدراسة السينما في الخارج. ومع ذلك لم تقدم المؤسسة منذ ذلك الوقت إلى الآن إلا فيلم (معركة تاقرفت) للمخرجين الراحلين خالد مصطفى خشيم ومحمود عياد دريزة، وفيلم (الشظية) للراحل محمد الفرجاني، وفيلم (معزوفة المطر) لعبد الله الزروق، وفيلم (الحب في الأزقة الضيقة) للراحل محمد قنيدي ولكنه توقف في مشاهده الأخيرة ولم يعرض.
وبحسب “الزروق”، بعد ذلك تم إنتاج أفلام فنية قصيرة للمخرجين محمد المسماري، وناجي أبوسبعة، وصلاح قويدر، وعصام طرخان، والراحل المبروك دوزان وغيرهم.
وفي مرحلة لاحقة تم تقديم ثلاثة أفلام كإنتاج مشترك، هي (السفراء) للمخرج التونسي ناصر القطاري، وأفلام (الضوء الأخضر)، و(أين تخبئون الشمس) للمخرج المغربي عبد الله المصباحي، هذه هي الحكاية وانتهت قصة الشركات الخاصة مثل الشركة العالمية للإنتاج السينمائي التي أشرفت على إنتاج فيلمي (الرسالة)، و(عمر المختار)، وتم إغلاقها. وبعد ذلك تم إنشاء شركة أخرى لإنتاج فيلم (الظلم سنوات العذاب) بعد فترة توقف الفيلم وتوقفت الشركة.