(4) كتب عن سيرة القراءة والكتابة
218| خلود الفلاح
كيف نتحدث عن الكتب والقراءة؟ لا شك أن الكتب تفتح أبواب المعرفة، تطرح الأسئلة، وتدفعنا للبحث عن إجابات، القراءة رحلة استكشافية في دروب صناعة الأدب.
هنا نستعرض أربعة كتب تحدث أصحابها عن قراءاتهم المختلفة في كل صنوف الأدب، وكيف حققت لهم الكتابة قدرًا من السعادة؟
غوايات القراءة
في كتاب “غوايات القراءة”؛ يصف الكاتب العراقي علي حسين علاقته بالكتب والقراءة، حيث يعتبرها علاقة جميلة وحميمة وأبدية، حتى إنه عندما سُئل كم استغرقت في قراءة الكتب؟ كان رده: لقد استغرقت الكتب حياتي كلها.
في هذا الكتاب الصادر عن (دار أثر 2019)، يشير علي حسين إلى الكتب التي اقتناها في سنوات معرفته الأولى بالقراءة سلسلة شهرية تسمى “أولادنا”، وقد احتوت تلك السلسلة على ملخصات روايات عالمية مثل: “حصان طروادة”، و”حي بن يقظان”، فكان يندمج مع أحداث الرواية ويعيش مع أبطالها أدق التفاصيل.
وعلي حسين؛ من المدافعين عن الكتاب الورقي، لإيمانه بأن الكتاب الورقي سيبقى إلى نهاية الكون حتى إن تطورت التكنولوجيا، فرائحة الكتاب الورقي وملمسه سيظلان يشعران بأن الحياة أفضل وأكثر إشراقاً.
لا يعرف مؤلف الكتاب متى بدأت حكايته مع الكتب، خاصةً قراءة الروايات، ولكنه في الوقت ذاته يعترف بأنه كان يبحث عن الحكاية وسحرها، ومتعة اقتناء الكتب، والتعرف على أصحاب المكتبات.
ما نصل إليه في ختام الكتاب؛ أن الكاتب والصحفي علي حسين جعل من القراءة واقعاً معاشاً، ومن الكتب بهجة وحياة. لذلك يقول: “كتبي أشبه بدليل لأهم الكتب التي عشت معها سعادة”.
الروايات التي أحب
يتضمن الكتاب ترجمةً لستة حوارات تتناول الرواية الفلسفية والمعاصرة والسيكولوجية والتاريخية وكلاسيكيات ورواية الخيال العلمي، وتبدأ الحوارات بإلقاء الضوء على الروايات الخمس الأفضل في نظر الكاتب الذي أجريت معه المقابلة.
هذا الكتاب الذي تُرجم إلى العربية من خلال المترجمة والروائية العراقية لطفية الدليمي (دار المدى 2018)،
تجيب فيه المترجمة عن سؤال، لماذا نحب الرواية؟ فتقول: يكاد الفن الروائي أن يكون الاشتغال المعرفي الوحيد بين الاشتغالات الأدبية الذي طاله الارتقاء المتواصل بلا انقطاع إلى جانب فن السيرة الذاتية.
إضافةً إلى أن الرواية تمثل نوعا من الذاكرة الجمعية المميزة لكل جغرافية بشرية.
ويأتي اهتمام لطفية الدليمي بالفن الروائي في عدد من الترجمات من إيمانها بأن الرواية لعبة ذهنية في المقام الأول، يعمل الفن الروائي على إشاعة نوع من الحيوية الذهنية والعبقرية الإنسانية إذا ما نظرنا إليه كنوع من ألعاب ذهنية، ولا غرابة أن تقترن الأعمال الروائية العظيمة بالمجتمعات التي حقّقت أعلى درجات الإنجاز العلمي والتقني والاقتصادي والسياسي وفي الوقت ذاته؛ نلمح تراجع الفن الروائي في المجتمعات التي تعاني نكوصًا ثقافيًا وحضاريًا.
ومن الشخصيات التي تم محاورتها كاتب رواية الخيال العلمي آدم روبرتس، وفي قسم الروايات التاريخية حوار مع الكاتبة والصحفية فانورا بينيت، وفي مجال الروايات السيكولوجية حوار الروائية والمعالجة سالي فيكرز.
حياة الكتابة
يقدّم المترجم السعودي عبدالله الزماي في كتابه (حياة الكتابة دار مسكيلياني، 2018)، إحدى عشر مقالة لكتّاب عالميين حول علاقتهم بالكتابة، وهم: إدواردو غاليانو، إليف شافاك، أورهان باموق، إيزابيل الليندي، روبرتوبولانيو، كازو إيشيغورو، ماريا بارغاس يوسا، هاروكي موراكامي، يان مارتل.
يبدأ المترجم مقدمته بحقيقة ما وهي تعوّد القراء على التفاعل مع هؤلاء الروائيين من خلال شخصيات متخيلة، بينما تبقى شخصياتهم الحقيقية في منأى عن كل ذلك، هذه المرة؛ هم يكتبون عن أنفسهم، عن شخصياتهم الحقيقية، عن مواقف الحياة التي جعلت منهم كُتابًا، وكيف ارتبطت الكتابة بالسعادة، بل هناك من اعترف بأن الكتابة أنقذته من الجنون.
في مقال “حياة الكتابة”؛ تحدث إدواردو غاليانو عن كتابه “كرة القدم في الشمس والظل” الذي أراد به أن يفقد محبو القراءة خوفهم من كرة القدم وأن يفقد محبو كرة القدم خوفهم من الكتب، لكن المفاجأة كانت أن هذا الكتاب ساهم في إنقاذ حياة إنسان.
في مقال “كتبي رفاقي العقلاء والمجانين”؛ تذهب بنا الروائية إليف شافاك إلى طفولتها البعيدة حيث عاشت مع والدتها العاملة. لذلك قضت الكثير من الوقت بمفردها، خلف كل ذلك كان عالم القصص عالمًا ينبض بالحياة، كل شيء مهما بدا صغيرًا لديه قصة تستحق أن تروى.
وقال الروائي أورهان باموق: الفن طريقي إلى السعادة، فقد قضى طوال الفترة الممتدة بين السابعة والثانية والعشرين من عمره يرغب في أن يصبح رسامًا، وللأسف بعد عشرين عامًا من ذلك، لم يتحقق أي من تلك الأحلام، بل صار روائيًا.
وتدين الروائية إيزابيل الليندي للكتابة بالامتنان إذ أنقذت ذكرياتها من لغة النسيان. وخلق عالمها الخاص بعد موت ابنتها الوحيدة باولا، وبحسب الليندي؛ فإن الرواية ككل هي في النهاية سيرة ذاتية، أكتب عن الحب والعنف، الموت والخلاص، عن نساء قويات وآباء غائبين، وعن البقاء، فمعظم شخصياتي من الدخلاء، الأشخاص الفاقدين حماية المجتمع، والأفراد غير التقليديين، وغير المحترمين، والجريئين.
قصر الكتب
الكتاب حصيلة قراءاتٍ طويلةٍ ومتنوعةٍ قام بها الكاتب روجيه غرينييه، الذي عمل منذ العام 1964، في دار غاليمار الفرنسية للنشر، وكان عضوًا في لجنة القراءة.
هذا الكتاب الذي ترجم إلى اللغة العربية من خلال المترجم السوري زياد خاشوق (دار المدى 2018)، أشبه بمكتبةٍ ضخمةٍ تعرّف فيها روجيه غرينييه على مخطوطات مؤلفين كثر دون أن يتواصل معهم بشكل مباشر، ويرى المترجم أن هذا الكتاب مركز بشكل كبير، كما أنه يعكس رأي مؤلفه بخصوص العديد من المسائل النقدية.
ويتساءل روجيه غرينييه: “هل يكون عمل الكاتب، عملاً أخيرًا في نظره هو، أم في نظر الآخرين؟”
ويجيب: “قليلون جدًا؛ هم أولئك الذين وضعوا نقطة النهاية لإبداعهم عن سابق قصد وتصميم”. من أولئك وليم فولكنر الذي اعترف “أعرف أنني أقترب من النهاية، من قعر البرميل”.
ويشير الكتاب إلى استعانة الكتّاب بالحب، على سبيل المثال ألكسندر دوماس ومعاونه ماكيه عندما وصلا إلى الفصل الـ 40 من رواية “بعد عشرين سنة”؛ لاحظا، بشيء من الهلع، أنهما لم يُدرِجا فيها قصة حب. إضافةً إلى أنه لا يوجد سوى مثال واحد لرواية معاصرة غابت عنها النساء، وهي رواية “الطاعون” لألبير كامو.