ولع الفرنسيين بالسخرية من رؤسائهم
خالد القشطيني
ربما كان من نتائج الثورة الفرنسية ولع الجمهور بانتقاد رؤساء الجمهورية والسخرية منهم. نابليون بونابرت كان الرئيس الوحيد الذي نجا من ألسنتهم وأقلامهم. برز من هؤلاء في القرن التاسع عشر الكونت دو ماكماهون الذي خلف الرئيس تيير في تسلم كرسي الحكم عام 1873. لقد وصفوه فقالوا بأنه كان رجلاً تميز بشجاعة الأسد، لا سيما بعد اقتحامه حصن مالاكوف. قالوا نعم له شجاعة الأسد وأحلام العصافير. دونوا الكثير من سذاجاته بأقواله التي كتبوها في سجل الحماقات التاريخية.
كان من ذلك أنه أسرع لتعزية المنكوبين في الفيضانات الكبرى التي اجتاحت فرنسا عام 1877. حالما وصل إلى المنطقة المنكوبة لاحظ المساحات الشاسعة الغارقة والبيوت التي طمست وسط المياه. نظر في وجوه المنكوبين وردد قائلاً: «يا لكميات المياه الضخمة عندكم، يا لها من كميات كبيرة»! قال ذلك ثم استدار على عقبه وركب عربته وعاد من حيث أتى.
وفي مناسبة أخرى، ذهب لزيارة كلية سان سير العسكرية الشهيرة. قدموا له عدداً من طلابها. كان بينهم طالب أسود من مستعمرة جزر الانتيل. وكان أول طالب يقبل في هذه الكلية العسكرية الذائعة الصيت. نظر دو ماكماهون في وجهه ثم سأله: «أأنت العبد الأسود؟ استمر في دراستك».
الواقع أن الكثير من الهفوات والمطبات اللسانية للرئيس دو ماكماهون تذكرنا بالكثير مما تفوه به رؤساء الولايات المتحدة وتلاقفتها الصحف وشبكات التلفزيون العالمية.
مسكين كان دو ماكماهون! لقد خانته الكلمات دائماً في أبسط المناسبات الرسمية. كان من ذلك حضوره يوماً حفلة استقبال عقدت على شرف الكابتن الانجليزي جون وولف الذي عبر مضيق دوفر سباحة لأول مرة في التاريخ، فهنأه رئيس الجمهورية الفرنسية بحرارة وقال له: «لا شك أن كل شيء كان في غاية الصعوبة يا حضرة الكابتن، أليس كذلك؟ وبخاصة في الطلعات»!
ويقال إنه عندما أدركه الموت سنة 1893 تململ في سريره وهو يصيح «الي! الي! أيها الأتراك». وكان قد قاتل ضد الامبراطورية العثمانية.
إذا كان الرئيس دو ماكماهون قد اشتهر بسذاجة القول، فإن الفرنسيين قد ألصقوا في الرئيس جول غريفي الذي سبقه في حكم فرنسا صفة البخل. نشروا عنه شتى الفضائح والإشاعات. من ذلك أن صحيفة «الإنترانزريجان» قد ذكرت في أحد أعدادها هذه الحكاية فقالت: «لقد ألقي القبض على شاب في ملابس السهرة الرسمية حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل متلبساً بسرقة رغيف من الخبز من أحد المخابز. فلما استجوبته الشرطة أجابهم قائلا «إنها حالة من حالات الضرورة القصوى (التي لا يعاقب القانون عنها). لقد كنت أتناول العشاء على مائدة الرئيس غريفي». فأطلقت سراحه الشرطة وقام من في المركز بجمع مبلغ من المال قدموه له ليتعشى!
لا شيء يطيب للفرنسيين أحلى من التشهير برؤساء حكوماتهم وحبك الفضائح بهم.