وصدقت توقعات بيل جيتس قبل 20 عاما!
حسن فتحي
فرق كبير بين أن تستمع إلى توقعات عالم وخبير للمستقبل، وبين أن تستمع إلى عرّاف أو دجال أو مدعي التنبؤ بالفلك..
قبل نحو 20 عامًا، وتحديدًا في 1999، أصدر بيل جيتس عملاق التكنولوجيا في العالم كتابًا بعنوان Business @ the Speed of Thought، بمعنى العمل وفق تدفق الأفكار، وضع في هذا الكتاب 15 توقعًا لما سيكون عليه العالم التقني بعد 20 عامًا، وبمراجعة سريعة لبعض هذه التوقعات نجد أغلبها أضحى حقيقة لا خيالا..
كلنا نتذكر أن الهواتف المحمولة قبل عام 1999 كانت نادرة، وكانت خدماتها مقصورة على إجراء المكالمات فقط، وإرسال الرسائل القصيرة، وتوقع بيل جيتس آنذاك النقلة الرهيبة التي حدثت في الهواتف المحمولة قبل مرور حتى 20 عامًا على توقعه..
فقد قال إن الناس سيحملون معهم أجهزة صغيرة تسمح لهم بالبقاء متصلين ليل نهار، وسيقومون بالعمل الإلكتروني في أي مكان، وسيتمكنون من متابعة الأخبار في أي مكان في العالم لحظة وقوعها، ومتابعة كل المعلومات الشخصية والمالية في أي مكان في العالم، وهو ما نعيشه بالفعل اليوم، بعدما باتت الهواتف المحمولة في يد الجميع جزءً لا يتجزأ من حياة غالبية البشر، بغض النظر عن ظروفهم المعيشية والاقتصادية..
قبل 20 عامًا، كانت التجارة الإلكترونية لا تزال في مراحلها الأولى، وحينها توقع بيل جيتس إمكانية الشراء عبر الإنترنت، مع تطوير خدمات مقارنة الأسعار بشكل آلي، وبالتالي سهولة الحصول على سعر أرخص بسهولة ويسر..
وهو ما يحدث بالفعل حاليًا، فاليوم كل سلاسل المتاجر الكبرى وشركات تقديم الخدمات السياحية والثقافية ومواقع الكتب والأفلام، سواء محلية أو عالمية تتيح للمتصفح عبر الإنترنت كافة منتجاتها بأسعار تنافسية، مع إمكانية شرائها بسهولة عن طريق الإنترنت، واليوم هناك سلع كثيرة يتم بيعها فقط عن طريق الإنترنت!!
توقع بيل جيتس قبل 20 عامًا أن الناس سيدفعون عبر هواتفهم المحمولة كل فواتيرهم المرتبطة بالنواحي المالية، كفواتير الغاز والكهرباء وتحويل الأقساط المستحقة لشراء أي خدمة أو سلعة من حساباتهم البنكية، بل والتواصل مع الأطباء وحجز مواعيد مراجعتهم عبر الهواتف الذكية، وكلها خدمات متاحة اليوم، وهناك آلاف التطبيقات التي يمكن بسهولة إنزالها على هاتفك والتعامل من خلالها بسهولة ويسر.
وقبل 20 عامًا توقع بيل جيتس في كتابه أنه سيكون من الشائع وجود مواقع خاصة لأصدقائك وعائلتك، مما سيسمح بالمحادثة والتخطيط للأحداث المختلفة، وبعد أقل من 10 سنوات من توقعه، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ضمن مجموعات على فيسبوك أو مجموعات محادثة جماعية على واتساب أو ماسنجر أو عشرات المنصات الأخرى بين الأصدقاء في أي مكان في العالم جزءًا أساسيًا من حياتنا اليوم، ينام الناس ويستيقظون عليها، حتى صارت العلاقات بين الأصدقاء أكثر عمقًا ومتابعة من العلاقات داخل الأسرة الواحدة!!
قبل 20 عامًا توقع بيل جيتس أنه سيصبح من الشائع وجود بث فيديو مستمر لمراقبة منزلك، ما سيُعلمك عند زيارة أحدهم عندما تكون أو لا تكون في المنزل، ربما لم يصبح هذا الأمر شائعًا على نطاق واسع اليوم، لكنه بالتأكيد في طريقه نحو ذلك، بعدما صار لزامًا على كل المحلات في الشوارع تركيب كاميرات مراقبة، وتتزايد أعداد الناس الذين يستخدمون تقنيات الحماية الإلكترونية لمنازلهم، وبالإضافة لأجهزة الإنذار المعتادة هناك الكثير من التقنيات التي تسمح بمراقبة ما يحصل ضمن أو حول منزلك عبر الإنترنت ويمكنك متابعته من أي مكان في العالم.
لم يعد يخفى على أحد أن الصحف الورقية والبث التليفزيوني اليوم يسير بخطى ثابتة نحو الانقراض، فتراجع مكانة وتوزيع وإعلانات الصحف والمجلات الورقية لدى كل الفئات العمرية، خاصة الشباب منهم، أمر لا يمكن إنكاره، وحتى خدمات البث عبر الإنترنت والعرض حسب الطلب لم تترك مجالا للتليفزيون العادي، كما كان قبل 20 عامًا.
لذا تجد كثيرًا من الصحف والمجلات المعروفة في العالم تلغي إصداراتها الورقية وتجعلها إلكترونية، أيضا من الواضح أن جميع المؤسسات التليفزيونية وحتى الإذاعية منها تسعى للانتقال إلى المكان الأفضل لمستقبلها عبر الإنترنت.
لذا بات من الصعب أن تجد قناة أو برنامجًا تليفزيونيًا أو إذاعيًا دون موقع خاص به أو على الأقل حسابات تواصل اجتماعي، وضمن هذه البرامج عادة ما يتم تشجيع المشاهدين على الدخول إلى هذه المواقع بشكل مطابق لما كان قد وصفه جيتس قبل 20 عامًا، حين توقع أن يتضمن البث التليفزيوني روابط للمواقع المهمة والمحتوى الذي يشكل متابعة لما تشاهده.
تضمن الكتاب توقعات كثيرة للمستقبل بعد 20 عامًا، صارت كلها حقائق حياتية اليوم، وباتت معها حياة الناس إلكترونية فائقة السرعة..
ومن المؤكد أننا في انتظار نقلة تكنولوجية أكثر ذكاء وتقنية، ولاشك أن بيل جيتس وأمثاله من خبراء التقنية يتوقعونها، وربما يصعب علينا تخيلها اليوم، لكنها في المستقبل القريب ستصبح جزءًا أصيلا من أساسيات حياة جيل المستقبل.