“هَيل* قيصر” مرارا وتكرارا
رالف بيترس
ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي
كان يوليوس قيصر، حسب روايته هو نفسه، عسكريا نابها، ونثره الرائع يضفي غموضا على إساءته الحكم أواخر حياته. لم يسحب بروتس خنجره بسبب قضائه يوما مرهقا. ففي زمنه، سن قيصر نمطا متكررا من التحركات العسكرية التي تكاد لا تحصى ضد الدولة الرومانية، وبالتالي ضد حكم الأباطرة غير الأكفاء، مع إحراز انتصارات دموية هنا وهناك لحكومة ثلاثية أو احتكار شخصين للسيادة بين عهدين من عهود الرجل الواحد. الإمبراطورية الرومانية لم تنهر من قبل البرابرة، وإنما من قبل عسكريين قرروا إصلاحها.
لعل هذا النمط هو الأكثر علاقة بالتركة الرومانية.
لزمن طويل عج التاريخ بانقلابات عسكرية، يكون قادتها غالبا من الرتب الدنيا، مثلما في حالة نابليون بونابرت كمثال بارز. ولكن المفارقة بالنسبة إلى تفكيرنا السائد أن هذه الانقلابات كانت إحصائيا أقل تواترا منذ أواخر العصور الوسطى وحتى الجيل الذي أعقب مؤتمر فيينا. فهنري الرابع في بريطانيا لم يقم بانقلاب عسكري، وإنما وقعت الثورة من قبل أرستقراطية ناقمة، النمط المفضل للتغيير في عصره. فقد يستولي قائد فرقة مرتزقة على بارونية أو، وهذا نادر، دوقية. لكن نادرا ما تمت الإطاحة بالسلالات الحاكمة من قبل متسلق يفتقر إلى رابطة الدم بصاحب العرش. أفراد العائلة المالكة لم يكونوا ليفعلوا ذلك، وبالطبع لم يمتلكوا جيوشا منظمة إلا في القرن السابع عشر.
الدول الضعيفة تجتذب الرجال الأقوياء. وهكذا شهد القرن العشرون فيضا من الانقلابات قام بها قادة عسكريون أو شخصيات كارزمية مدعومة من قبل الجيش. الإحباطات من الحكومة في الدول الناشئة المتشكلة في فترة التراجع الكبير للإمبراطوريات الأوربية جعل الانقلابات العسكرية شبه محتمة، حيث البنى الحكومية الجديدة هشة وتشق طريقها بصعوبة وهي عاجزة عن تقديم الأمن الأساسي والخدمات التي كان يقدمها الحكام المطلقون الإمبرياليون السابقون، ناهيك عن إشباع التوقعات الخيالية. كان معتادا أن الجيش المنظم حديثا، أيا كان قصوره في مقاتلة الأعداء الخارجيين، يكون عموما أفضل تنظيما [من غيره من المؤسسات] والضباط كانوا الأفضل تعليما على مستوى البلاد.
بالطبع، لم تكن انقلابات القرن الماضي جميعها مدفوعة بحب السلطة. فعادة ما يستولي الجنود على السلطة بنية مخلصة (مثال روما) لإنهاء الفوضى وإصلاح الحكومة… إلا أن المؤسسات الضعيفة سرعان ما تحبط الرجل أو الرجال فوق صهوات جيادهم ويكون أول ما يؤجل هو العودة إلى الحكم المدني، ثم يزاح جانبا. السلطة لا تُفسد فقط، وإنما تجعل الفاسدين يتعلقون بها لتجنب العقاب. والدول غير الواثقة من هويتها القومية – خصوصا تلك المحتوية على جماعات إثنية متعادية تاريخيا – غالبا ما تنتهي بحكم فصيل قبلي مسيطر على الجيش.
طبقا لمعلوماتنا المتناثرة حول القرن الواحد والعشرين، يبدو أن نمط الانقلابات العسكرية مقيض له أن يستمر. فالدبابات في الشوارع ما زالت تسيطر على الفيسبوك. في الأسابيع الأخيرة**، استجاب قادة الجيش للاحتجاجات الشعبية ضد الرؤساء مدى الحياة بإزاحة رأسي الدولة في الجزائر والسودان، إلا أنه ما زال علينا الانتظار لنرى كيف سيستجيب الجنرالات للاحتجاجات المستمرة التي تطلب منهم، هم أيضا، التنحي عن السلطة.
وحتى في الدول التي يشير فيها الجيش إلى العودة إلى الحكم المدني، مثلما حدث في بورما أو تايلند، عادة ما يبقى الجيش سلطة ليس فقط وراء العرش، ولكن حوله أيضا. إذ ينزع الجنرالات بزاتهم الرسمية، إلا أن ولاءهم يبقى لنياشينهم.
وليست الانقلابات العسكرية دائما ظاهرة تنتمي إلى الجناح اليميني. ففي القرن الماضي، كان خطاب الجناح اليساري أكثر شيوعا عندما كانت السيارات المسلحة تتجه نحو كرسي الحكومة. الحالة الأحدث ذات الأهمية الاستراتيجية هي ثورة شافيز في فنزويلا منذ عقدين عندما أطاحت مجموعة شبه عسكرية بديمقراطية جائرة بنيويا. الآن، وهذا من المفارقات، يأمل قادة الدول الديمقراطية المستقرة بوقوع انقلاب عسكري (أخفق حتى الآن في الحدوث) ضد نظام مادورو الكارثي الذي ورث الشافيزية.
ويبدو أن الحكمة التي نشأت لدينا الآن، نحن الديمقراطيات العظيمة، هي إدانة الانقلابات العسكرية، مع استثناء تلك التي تلائم مصالحنا. حقا، إن نظام مادورو غير الكفؤ على نحو مهلك ينبغي أن يزول لرفع المعاناة عن الفنزويليين، إلا أن الختم بالموافقة على انقلاب واحد يلهم انقلابات أخرى.
لا توجد إجابة سهلة، ثمة نتائج من غير الممكن تجنبها. إلا أن قرننا الجديد صار يبدو (ومن المفارقات، بالنظر إلى وعود برج الدلو في عصر الإنترنت) إلى حد كبير مثل القرن الماضي.
هَيل قيصر!. لكن احذر منتصف شهور النحس Ides***.
* Hail هتاف ترحيب أو استحسان.
** المقال منشور في أبريل 2019
*** “العَيْدَس: اليوم الخامس عشر من مارس أو مايو أو يوليو أو أكتوبر، أو اليوم الثالث عشر من أي شهر آخر في التقويم الروماني القديم. وتوسعا: هذا اليوم والأيام السبعة التي تسبقه” المورد.