هل يعود «داعش» مجدداً؟
فايز سارة
أكد الفصل الأخير من الحرب على «داعش» في الباغوز انتهاء الوجود العلني للتنظيم، وهو أمر استجر تأكيدات متعددة، بأن تنظيم «داعش» في سوريا انتهى. غير أن حدثين رافقا ما حصل في الباغوز، يؤشران في اتجاه آخر خلاصته أن «داعش» باقٍ، وينتظر الفرصة لظهوره العلني مجدداً، وقد يتمدد بعدها على نحو ما حدث في عام 2014، عندما استولى على مدينة الرقة، وجعلها عاصمة لدولة الخلافة، التي يدعو إليها، وأخذ يتمدد في أنحاء سوريا لتصل سيطرته على نحو ستين في المائة من مساحة البلاد، حسب أغلب التقديرات.
الحدث الأول الذي ظهر في معركة الباغوز، تسلل عناصر من «داعش» خارج المنطقة المحاصرة، وهو ما أكدته تقارير كثيرة كتبتها الصحافة من هناك، والحدث الثاني ترحيل القوات الأميركية عناصر من «داعش» كانوا محاصرين في الباغوز، ونقلتهم إلى منطقة، لم يتم الكشف عنها، وإذا أضفنا إلى الحدثين حقيقة أن البيئة العامة للصراع السوري أثبتت على مدار السنوات الماضية قدرة عالية على إطلاق جماعات إرهابية متطرفة، فإنه يمكن تصور احتمالات تجديد انطلاق «داعش»، وربما إطلاق تنظيمات قد تكون أكثر تشدداً منه.
إن الأهم في معالم البيئة السورية الراهنة، يمثله استمرار الصراع السياسي – العسكري في سوريا وحولها، تقوده وتؤثر فيه قوى دولية وإقليمية كبرى، تقاسمت الجغرافيا السورية من جهة، وفرضت سيطرتها على التنظيمات والكتل السياسية – الاجتماعية والمسلحة، ووظفتها في إطار أجنداتهم من جهة ثانية، وكلها تطورات تتواصل وسط مزيد من الانقسامات والصراعات المعقدة الممتدة داخل التحالفات الخارجية – الداخلية في آن معاً، وسط غياب حل سياسي، وعدم قدرة أي فريق على فرض حل عسكري، واستمرار عمليات القتل والاعتقال والتهجير بالتزامن مع تصاعد الترديات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، التي تدفع غالبية السوريين إلى الخيارات الأسوأ، وسط هامشية دور النخبة السورية، سواء لارتباطها بقوى السيطرة الخارجية، أو لعجزها عن القيام بدور حاسم ومؤثر.
وسط هذه البيئة، فإن خروج «دواعش» من الباغوز، يمكن أن يكون عاملاً أساسياً في استعادة وجود التنظيم وإعادة انتشاره، لا سيما أن من استطاع الخروج من حصار الباغوز، لا يمكن أن يكون عنصراً عادياً في التنظيم، لأنه يعرف كيف يخرج من الحصار، أو لأن له علاقات، تجعله يفلت من حصار محكم. وأياً كان الخارجون من حصار الباغوز، فإنهم الأقدر على إعادة التواصل مع المتحولين إلى خلايا نائمة من «دواعش» المناطق الأخرى، التي نشط فيها التنظيم سابقاً، قبل أن يصير في دائرة الحرب الواسعة عليه.
وطبقاً لتجارب سابقة، فإن من قام الأميركيون بترحيلهم الملتبس من دواعش حصار الباغوز، إضافة إلى أسرى «داعش» لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إذا لم يتم الكشف عنهم بالأعداد والأسماء وتقديمهم لمحاكمة علنية، سيشكلون قوة إضافية محتملة إلى «داعش» المنتظر في حال كانت للولايات المتحدة مصلحة في عودة «داعش»، وقد دللت الأحداث والتطورات، على أن الولايات المتحدة والروس ونظام الأسد وإيران، قد فعلوا أشياء مشابهة في السنوات الماضية، أدت إلى بقاء «داعش» وتمدده، بل أنقذته من تصفية محتملة أكثر من مرة.
وإذا كانت عودة «داعش» للظهور مجدداً، أمراً يجد ما يدعمه من عوامل متعددة، يتصل بعضها بالبيئة العامة في سوريا، ويتصل غيرها بما يمكن لكادرات وقيادات «داعشية» نائمة أو أفلتت من الحرب أن تقوم به، فإن هناك عوامل أخرى بينها ما يمكن أن تقوم به جماعات إرهابية متطرفة مثل هيئة تحرير الشام («النصرة» سابقاً) وجماعة «حراس الدين» الخارجة بقوة من خاصرة «النصرة»، وفي كل الحالات، يمكن أن تستقطب الجماعات أعضاء سابقين في «داعش»، ومتعاطفين معه، مما يمهد لنشوء بؤر داعشية داخل تلك الجماعات، لا تختلف إلا في تفاصيل عن «داعش»، وسوف تتحين تلك البؤر الفرصة لإعلان نفسها وسط ظروف مناسبة.
إن فكرة عودة «داعش»، تدفعنا إلى استذكار مراحل ظهوره في الرقة عام 2014، التي استولت عليها ميليشيات «أحفاد الرسول» بالتعاون مع تشكيلات من «الجيش الحر»، وطردت منها قوات النظام، ثم من تلك المجموعات توالدت على التوالي حركة أحرار الشام، و«جبهة النصرة»، ثم «داعش»، وهو سيناريو يمكن أن يتكرر ولو بتعديلات معينة، تتصل بما يمكن أن تكون عليه الظروف في تلك اللحظة.
وقد يكون من المفيد أخيراً التوقف عند ما ظهر لدى أفراد في التنظيم من إشارات تتعلق بمستقبل «داعش»، فقد وصفت امرأة من الشيشان الحياة في ظل خلافة «داعش» بالقول: «كان كل شيء على ما يرام. كان هناك إخوة يؤمنون بتطبيق الشريعة، وبقيام الخلافة الإسلامية». وأضافت: «نحن وإخواننا في كل مكان… نؤمن أن (داعش) سوف يعود»، وحملت صورة من داخل الباغوز ما كتبه أحد أعضاء «داعش» على حائط نصف مهدم: «إن الدولة باقية وتتمدد»، وهذه مؤشرات للإصرار على عودة «داعش».