ترجمة خاصة
نشرت صحيفة المونيتور “Al-Monitor” تقريراً للكاتب “ماكسم سوشكوف” تحدث فيه عن التحركات الروسية الأخيرة بشأن ملف الأزمة الليبية وسياسات الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” تجاهها، وجاء فيه:
هيمنة ليبيا على أجندة روسيا
خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبغض النظر عن المسار السوري المعتاد، هيمنت ليبيا على أجندة روسيا في الشرق الأوسط، وتحديدا في الـ12 من نوفمبر، قاد رئيس الوزراء الروسي “دميتري ميدفيديف” الوفد الروسي المتوجه إلى إيطاليا لحضور مؤتمر لمدة يومين في باليرمو في محاولة إيطالية لجمع أطراف الصراع، وإعادة توحيد المؤسسات الليبية وصياغة مسار للانتخابات، والتي سبقتها محاولة مماثلة من قبل فرنسا ولكنها لم تحقق الكثير من النتائج.
عقد نائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل بوغدانوف” في الفترة التي سبقت انعقاد المؤتمر، اجتماعات مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، وفي اليوم نفسه أجرى “بوغدانوف” الذي كان المبعوث الخاص للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، محادثات مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ونائب رئيس وزراء حكومة الوفاق أحمد امعيتيق ووزير الخارجية في حكومة الوفاق. وكانت هذه اللقاءات الدبلوماسية لتحقيق التوازن في علاقة وزارة الدفاع الروسية بالفصائل الليبية.
وكان موقع “المونيتور” قد نشر مؤخراً تقريراً حول زيارة المشير خليفة حفتر إلى موسكو في السابع من نوفمبر، حيث أجرى محادثات مع وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي “فاليري غيراسيموف”. كما شوهد الرئيس المزعوم لمجموعة “فاجنر” العسكرية الخاصة “إيفجيني بروغوزين” في المحادثات التي أثارت التكهنات حول إمكانية نشر المرتزقة الروس في ليبيا.
وقال “ليف دينغوف” رئيس مجموعة الاتصال الروسية حول ليبيا في مقابلة حصرية مع المونيتور قبل عام، “يهدف كل نشاطنا في ليبيا إلى إظهار أننا مستعدون للمساهمة في عملية التسوية في هذا البلد، ونرحب بالجهود التي يبذلها مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، الذي يعمل بجد والذي (اتخذ) بعض الخطوات الحاسمة نحو عملية التسوية، حيث اعتمد خطة عمله من قبل مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك روسيا، كما أن هدفنا الرئيسي الآن هو مساعدة الأطراف على تسوية خلافاتهم، وضمان تنفيذ اتفاقيات الصخيرات والتفاوض حول مسألة إجراء الانتخابات”، واليوم، تهدف التحركات الخاصة بكل من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع إلى التأكيد على أن موسكو لم تغير موقفها في هذا الصدد.
سياسة روسية مزدوجة
سياسة المشاركة المزدوجة في ليبيا من قبل الدبلوماسيين الروس والجيش الروسي مع فائز سراج وخليفة حفتر، على التوالي، حيرت البعض وأذهلت الآخرين، هل تعرض وزارتا الخارجية والدفاع منافسة تقليدية بين الوكالات، و لكل منهما مصلحة في طرف مختلف؟، أو هل تقوم روسيا بتنويع أدواتها، وقنوات الاتصال والتحوط من المخاطر المحتملة كي لا تضع كل بيضها في سلة واحدة؟ أم أن الكرملين اتخذ قراره لصالح حفتر، كما يفترض الكثيرون في الغرب، والتواصل مع السراج مجرد واجهة للتعددية لجعل الروس الوسيط الموضوعي الوحيد المتبقي في اللعبة؟ في الواقع، كل واحدة من النظريات الثلاث لديها حججها، ولكنها ليست الفرضيات الوحيدة التي من الممكن صياغتها في هذا الجانب.
باليرمو.. حضور روسي بالاجتماع الأمني
في باليرمو، وقبل الاجتماع الرسمي، جلس “ميدفيديف” مع رئيس الوزراء الإيطالي “جوزيبي كونتي”، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي والقائد العام للجيش الوطني خليفة حفتر في اجتماع استمر ساعتين، وقد أثار اللقاء غضب الوفد التركي الذي خرج من المؤتمر بسبب ما اعتبره “محاولة لإبعاد تركيا عن العملية”، ولم يذكر نائب وزير الخارجية الروسي ما إذا كان السراج حاضرا في الاجتماع غير الرسمي، لكن الوفد التركي ووفقًا لما ذكرته وكالة “أسوشيتد برس”، شعر بالغضب كون المشاورات التي شملت السراج وحفتر توسطت فيها أطراف أخرى استبعدت الأتراك.
وقال “فات اوكتاي” رئيس الوفد التركي: “تحاول بعض الدول شل العملية الانتقالية في ليبيا لمصالحها الخاصة، وما تحتاجه ليبيا من أجل الاستقرار هو تدخل أجنبي أقل، وليس أكثر”، دون أن يذكر أسماء.
كما أن الوفد الذي يقوده السراج انسحب من الاجتماع في وقت لاحق من ذلك اليوم، عندما كان حفتر يلقي ملاحظاته.
تركيز روسي على الاقتصاد الليبي
وعلى الرغم من التوقعات المظلمة للمصالحة الليبية، جاء “ميدفيديف” إلى باليرمو مع أجندة طويلة الأجل الانخراط الاقتصادي الروسي مع ليبيا، حيث قال ميدفيديف في المؤتمر: “الاتفاقات السياسية ليست سوى غيض من فيض، لأنه إن كان وراء هذه الاتفاقات السياسية نفس الاقتصاد المدمر والعصابات المختلفة المتخالفة التي تحاول سرقة إمكانات البلد، فإن كل هذه الاتفاقيات السياسية ستتلاشى عاجلا أم آجلا” وأضاف “استعادة التبادل التجاري، واستعادة المجال الاجتماعي، والوعود بالمشاريع التي يمكن استعادتها، التي يجب أن تستعاد – هو أيضا مفتاح لتجديد الحياة الطبيعية في ليبيا، ونحن مستعدون للانخراط فيه”.
وفي وقت سابق، قال النائب الأول لرئيس مكتب الحكومة الروسية “سيرجي بريخودكو” الذي كان حتى مايو 2012 مسؤولًا عن إدارة السياسة الخارجية بالكرملين، إن الشركات الروسية ستشارك في مشاريع استثمارية مشتركة في ليبيا عندما يكون الوضع الأمني في البلاد مستقرا، وبعد تشكيل مؤسسات حكومية موحدة، وأضاف بريخودكو “هناك مجالات كثيرة للتعاون الفعلي – على سبيل المثال، في تعزيز دوران التجارة، ومصلحة دوائر الأعمال الروسية تجاه ليبيا واضحة، وهذا شرط مسبق للعمل المشترك الوثيق، ونعتزم إعداد الشروط لاستكمال الشراكة في مختلف المجالات بمجرد أن تصبح الظروف أكثر ملاءمة”.
ميدفيديف.. وتاريخ من التأثير في الملف الليبي
في باليرمو، أيد “ميدفيديف” كذلك اتفاق الصخيرات كطريقة لتيسير التقدم في تسوية ليبيا، حيث قال “أنا متأكد من أنه يمكن القيام بذلك من خلال جهود متعددة الأطراف، وفقا للقرارات التي يتخذها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقد أصرت بلادنا دائما أنه لا ينبغي أن يكون هناك أي تشويه أو سوء تفسير لنوايانا”.
من المؤكد أنه ليس من قبيل الصدفة أن “بوتين” أرسل “ميدفيديف” في مهمة في ليبيا، فعندما تم التدخل في ليبيا عام 2011 من قبل فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، فضلاً عن مقتل معمر القذافي على خلفية امتناع روسيا عن التصويت على تصويت رئيسي لمجلس الأمن خلال رئاسة ميدفيديف (2008-2012) في ذلك الوقت، حيث كان بوتين وميدفيديف متنازعان حول القرار، وكان لنتيجة هذا التصويت تأثير كبير على تفكير السياسة الخارجية الروسية، بما في ذلك العلاقات مع الغرب، وأثر على قرار بوتين الخاص بالتدخل في سوريا في عام 2015.
لعل الرسالة التي يرسلها بوتين إلى ميدفيديف مع هذا التعيين واضحة: “أنت [ساعدت] في كسرها، والآن أنت [تساعد] على إصلاحها” – أو دفع ثمنها بتاريخك السياسي [الخاص]، إذا فشلت”.
وقال ميدفيديف في باليرمو: “إننا نتذكر الطريقة التي اعتمدت بها قرارات مختلفة، لقد اتخذت بعض القرارات بنفسي، بما في ذلك القرارات المتعلقة بحظر الأسلحة على ليبيا وإدخالها منطقة الحظر الجوي، وقد زُعِمَ أن هذه القرارات كانت للمساعدة في وقف العنف”، ومما يؤسف له أن المساعدة في وقف العنف ظلت دون تنفيذ، وينبغي الآن تذكر ذلك لضمان عدم وجود سيناريو مماثل في أي بلد آخر وقوبلت هذه التعليقات بشعور من الأسف لكون الأوروبيين والأميركيين كان يعتقدون أنهم قادرون على إعادة ضبط علاقات موسكو مع كليهما.
وقال ميدفيديف “نحن عازمون على بذل كل ما في وسعنا لضمان تحقيق سلام دائم على الأراضي الليبية، وأن تتخلص البلدان الأخرى من مصيرها المأساوي” ، مشيرا إلى حد كبير إلى أن ما يريده بوتين من الأطراف الليبية أن يتأكدوا من أنهم يستمعون للشخص المناسب وأن لا يضعوا الثقة في المبادرات التي لم يتم تنفيذها بالطريقة التي صيغت بها.