هل ستكون ليبيا مقبرة أردوغان والمشروع الإخواني في المنطقة؟
حميد زناز
في مهمة نشر الوباء الإرهابي
يبدو واضحا أن التدخل التركي في ليبيا هو التعبير الملموس لاستمرار السياسة الخارجية التركية التي كانت لها دائما طموحات كبيرة في البحر المتوسط، بل تحمل في لاوعيها رغبة عثمانية في الهيمنة. واليوم ينتهز أردوغان فرصة الأزمة الليبية ويستغل اتجاهاته السياسية الإسلاموية المتطابقة مع أيديولوجية فايز السراج ليعطي دفعا جديدا لتلك السياسة الخارجية أو بالأحرى لذلك الحلم التوسعي التقليدي والعمل أولا على ترسيم الحدود البحرية، التي تمثل مصدر ذلك الخلاف القديم بين الأتراك والقبارصة واليونانيين وحتى الإسرائيليين، بهدف تحقيق أهدافه العثمانية المضمرة.
فدعم أردوغان لما يسمى “حكومة الوفاق الوطني” ليس لأسباب أيديولوجية في المقام الأول وإنما هي من أجل وضع قدم له في شمال أفريقيا والامتداد في البحر المتوسط.
من البديهي أن الواقعية السياسية المطعمة بانتهازية قصوى هي المبدأ الأول، ثم تأتي القناعات الأيديولوجية لإعطائها مسحة إسلامية من أجل تغليط المتأسلمين في البلدان العربية. ولا يتردد أردوغان في تغيير حلفائه بحثا عن مصلحته، مثلما يغير ربطات عنقه، لقد كان صديقا لبشار الأسد وهذا لم يمنعه من أن يصبح عدوه اللدود ويحاربه على أرضه.
ولا يضر أردوغان التعامل مع الشيطان من أجل مصلحته، لقد كان يشتري البترول من داعش بثمن بخس ثم يعيد بيعه بأثمان السوق الدولية. ولقد كذب على الرئيسين التونسي والجزائري، ففي كلمة موجهة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال أردوغان إن الرئيس تبون أبلغه بأن فرنسا قتلت أكثر من أربعة ملايين جزائري خلال فترة الاستعمار. وقد أصدرت رئاسة الجمهورية الجزائرية بيانا قالت فيه إنها فوجئت بتصريح الرئيس التركي حول ملف الذاكرة مع فرنسا. وهكذا دأب أردوغان في كل مرة تطالبه فيها فرنسا بالاعتراف بالمذابح التي ارتكبها أجداده ضد الأقليات بإخراج ورقة الوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر، متناسيا أن أجداده هم الذين سلموا الجزائر إلى فرنسا سنة 1830 ورحلوا مقابل امتيازات مادية.
أما بالنسبة للرئيس قيس سعيد، فقد كذّبت الرئاسة التونسية ادعاء أردوغان بأن تونس قد انضمت إلى المحور التركي القطري وحكومة الوفاق الوطني ومستعدة للمساهمة لوجيستيقيا في ليبيا. وقد حذر الرئيس التونسي الإخواني راشد الغنوشي على قناة فرانس 24 من التدخل في سياسة تونس الخارجية واعتبر تدخله في الأزمة الليبية خطأ، لأن تونس تقف على نفس المسافة من المتنازعين.
ولا تخفى على الرئيس التونسي تلك “العلاقة الإجرامية” التي تربط بين مركز “سيتا” التركي للدراسات السياسية والاستراتيجية بأنقرة ومركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية في تونس الذي يملكه ويشرف عليه صنيع قطر وصهر الغنوشي رفيق عبدالسلام. وعلاوة على التنسيق بين المركزين في مشروع “التمكين” الإخواني، تتحدث الأخبار عن إرسال تونسيين إلى ليبيا كانوا يقاتلون في صفوف داعش في سوريا عادوا إلى تونس مدسوسين بين التونسيين الذين كانوا عالقين في تركيا إثر أزمة كورونا.
ولم يدعم أردوغان الانتفاضة ضد القذافي ماليا وعسكريا سنة 2011 من أجل إقامة الديمقراطية في ليبيا، وإنما كان ذلك بداية التطبيق الميداني لخطته الماكرة. وبقي دعمه كاملا منذ ذلك الوقت للسلطة في طرابلس. ولا يثير اهتمام الإخواني أردوغان لا مصير الشعب الليبي السياسي ولا غيره من شعوب المنطقة، ما يهمه هو عمل كل ما في وسعه للوقوف أمام أي دولة منافسة تبتغي السيطرة على ليبيا وقد تحرم تركيا من الاستفادة من خيرات باطن أرضها من بترول وغاز ومشاريع إعادة الإعمار، وحرمانه من بسط هيمنة ما على جزء هام حيوي من البحر المتوسط. وفي الحقيقة لا يزعجه إطلاقا تقسيم ليبيا إلى دويلات إذا كان ذلك مفيدا لتركيا وبقاء حزبه على رأس الدولة التركية على وجه الخصوص.
يواصل أردوغان، كأجداده العثمانيين المستبدين ربط سياسته الخارجية ليس بالسياسة الداخلية في تركيا فحسب، بل واعتبارها عنصرا هاما من هوية البلد. وهو عامل يوحد الأتراك عادة وراء قائدهم، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، وهذا ما يحتاجه أردوغان بعدما بدأ يظهر فشله الذريع في كل الملفات وتحاصره المعارضة من كل جانب وتطرده من على رأس بلدية مدينة إسطنبول الرمزية، ولكن يبدو أن هذه النظرية قد وصلت إلى نهايتها وسيجد الأتراك أنفسهم في ورطة كبيرة جراء مغامرات رئيسهم في ليبيا حيث ينتظره فشل ذريع وربما هزيمة عسكرية نكراء تتبعها حتما هزائم انتخابية له ولحزبه الإخواني.
يبدو أن أردوغان يحلم بليبيا التي استعمرها أجداده ثلاثة قرون كاملة كما يحلم “بالجزائر الضائعة”، معتمدا على أدوات تركية محلية تتمثل في بعض الليبيين والجزائريين من الإخوان الذين يحنون للقهر العثماني، ولذلك فهو يجتهد ليظهر كلاعب إقليمي سني في مواجهة إيران اللاعب الإقليمي الشيعي، ولكنه سرعان ما سيتأكد بأن تلك كانت مجرد أضغاث أحلام حينما يشعر الجزائريون بخطره على حدودهم وخطر المرتزقة الذين جلبهم إلى ليبيا وحينما لا يجد المصريون من حل لحماية حدودهم سوى مواجهته في الميدان.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبقى الجزائر وتونس ومصر مكتوفة الأيدي أمام تدفق الآلاف من المرتزقة المتطرفين إلى ليبيا وقد تتصدى بصرامة دبلوماسية وحتى عسكرية لمنع انتشار تلك الجماعات الممولة من قطر، وربما ستحمي الجزائر ومصر حدودهما بضربات استباقية قبل أن ينتشر الوباء الإرهابي على حدودهما ويصبح مهددا لأمنهما الداخلي.