هل أنت تَعِب… ؟
مجاهد البوسيفي
من الفوضى وانعدام الأمن ، ونقصان الخدمات، وانتشار المزايدة وسيادة الخوف، والقلق، والاشمئزاز من الصراخ باسم الثورة والشهداء والمبادئ، وكل الشعارات الأخرى التي تتحدث عن الوطن والحرية والربيع العربي والتغييرات التي حدثت والتي يجب أن…؟
هل كبدك فعلا “دارهة” وتكاد تفرغ ما في جوفك من حسرة ووجع وندم في أقرب مكان متاح..؟
إذا أنت كذلك فأرجو أن تعذرني عندما أزيد من نكدك لأخبرك أننا في ليبيا بالكاد قطعنا نصف الطريق.. وأن القادم سيكون أشبه بشراسة الماضي وأن القطار على وشك أن يبدأ من جديد….
لقد انطلق سيل التاريخ بعد أن انتظرنا طويلا علنا نغير من أنفسنا ونلحق بالعالم، وعندما لم نستطع أن نفعل، انفجر السد وانطلق النهر الجبار جارفا معه تركيبة كاملة أقيمت لمئات السنين من التقاليد والأعراف والمفاهيم وأشكال الحكم، وكل ما وضعناه من غبارٍ تحت بساط الحقيقة، من مبررات التأجيل والصبر والانتصارات الوهمية وما شابه ذلك من أوهام كنا نحسبها حقائق، وإذا بالوادي يجرفها معه ويلقي بها في وجوهنا غير عابئ بما نعتقد أو نقول .
هي سنن التاريخ والطبيعة والبشر ، لم نعرفها لأننا فضّلنا عدم الاطلاع عليها في الأسفار، ولم نسمح لمناهجنا في المدارس والجامعات بتجاوز خطبة طارق بن زياد وأمجاد الأندلس ومدح المشايخ ليل نهار. مشايخ الدين والقومية .. اليسار واليمين .
افتتحنا مدارسَ لتعميم الجهل ومساجدَ لسيادة الغيبوبة والشعوذة وقمنا بثوراتٍ وهمية تشبه معارك السكارى في أزقة التاريخ المظلمة آخر الليل.
توهمنا قضايا مركزية بينما هي ليست إلاّ تخاريف محموم أو تخاييل واهمٍ في الخلاء، يظن أن السراب الذي أمامه جماهير تستمع صاغية إلى الهذيان الذى يتفضل به.
التعزيةُ الوحيدة التي يمكن أن تقال لليبيين هي أنهم قد أصيبوا بالطوفان وأنهم لازالوا أحياءَ، وأنهم بذلك يملكون فرصة للسباحة نحو ضفةٍ في الركن ليلتقطوا أنفاسهم، ويحاولوا إعادة ترتيب أشلائهم والتمعن في الخطوة التالية التي تقع على عاتقهم وحدهم قبل أن يهدر السيل من جديد.
وهو واقع – مهما بدا قاسيا – أفضل كثيرا من تلك الشعوب التي لازالت تنتظر الموجة الجديدة من الزلزال والتي ستكون أكبر وأشمل وأعم … فهذا السيلُ الذي بدأ لن يتوقف حتى يحيل السائد مندثرا، ليقيم على أطلاله البائسة سننَه الجديدة التي لطالما تحيالنا عليها بكل أنواع المسكنات والأوهام …
ايها الليبيون : شدوا أحزمتكم وكفوا عن الصراخ الهستيري بعد قتل الغول وانتبهوا جيدا.
علينا أن نكمل الطريق في هذه المفازة الموحشة متضامنين حتى نصل إلي المجتمع الجديد الذي يخلو من وباء الثورات والقادة والأيدولوجيات الحليقة وذوات اللحى..
عضّوا على الجرحِ فالمشوار طويلٌ للخروج من الموت نحو الحياة، فالسيْر من حيث نحن فيه.. من جاهلية سياسية إلى عالم اليوم يتوجبُ الكثير من الحذرِ والتسامحِ وتحمّل الآلام …
ونحن على مقربة من الموجة الثانية من السيل الجبار.. لنتذكر أننا في منتصف الطريق ولا حاجة لنا أن نبدأ المشوار المؤلم من جديد فهناك آخرون كثر حان عليهم الوقت ولن يتعظوا بما حدث لنا حتى يعمهم القدر، وعلنا في يوم ما نكون من الرائدين في وادي الآلام والناجين من السرمد والمتمتعين بما أعطى الله لنا من حياة جميلة أدمنا إهدارها على طاولة العبث…
فبراير كانت حتمية