تحدث أحدهم يوما أن ألذّ “مكياطة” تذوقها في حياته كانت في “طرابلس”، وفي حديثٍ عن الأكل تغزّلت فتاة إيطالية بالبيتزا التي أكلتها في طرابلس قبل سنوات، رغم إقامتها في معقل “البيتزا” العالمي “نابولي”، هذا طبعا غير شهادات أم العروس وشقيقتها والعشرة من قبيلتها التي يُدلِيها الليبيون في “البريوش” و”الكريب” الذي تتفنّن في إعداده بعض أرقى المطاعم والكافيهات في العاصمة وبعض المدن الكبيرة وحتى الصغيرة في البلاد، وأيضا كل المشروبات التي تدور في فلك القهوة من “اسبريسّو” و”مكياطة” و”كابّوتشينو” التي أصبحت مع الوقت تتحوّل إلى لوحات من الألوان والنكهات يبدع فيها فنانو المقاهي الليبية.
وبالعودة إلى سؤالنا هل أثرت الأزمات المتلاحقة في البلاد على أذواق الليبيين في الأكل والشرب؟
نقول هي جولةٌ صغيرة في بعض أهم شوارع العاصمة، وستلاحظ ما يقال لك بوضوح أن طرابلس لم تتوقف عن التنفس والنمو، رغم نقص الهواء، فالأزمات المتراكمة على كاهل الليبيين لم تمنع ظهور بعض الأماكن التي تقدم الخدمات التي يعتبرها البعض “رفاهية” في بلدٍ أرهقته الصراعات وخنقه شحّ المال، فالمخبز مثلا “الكوشة” حاجة ضرورية تقدم الخبز الذي يعد من دعائم الحياة والاقتصاد، إذ يقيس البعض مستوى معيشة الأفراد بوزن الخبز ونوعيته وحجمه وجودته، لكن الليبيين لا يأكلون الخبز فقط، إنهم يحاولون أن لا يحرموا أنفسهم من القدر الضئيل من الرفاهية التي يفتقدونها.
فلا بأس بين الحين والآخر من قطعة “كريب” ساخنة وغارقة في النوتيلا حتى وإن دفعنا كل المبلغ الذي نملكه ثمنا لها لأنه لن يجعلنا أثرياء على كل حال، أما العادة التي تجمع شريحة كبيرة من الليبيين خاصة الشباب منهم فهي كوب “المكياطة” الذي يجاور شاربه في السيارة ويرافقه إلى كل مكان، أما عن ثقافة الأكل خارج البيت فقد لا تكون مستشرية في المجتمع الليبي، لكن هذه الظاهرة آخذة في التوسع لنلاحظ ازديادا ملحوظا للأسر أو للنساء والفتيات في مطاعم وكافيهات العاصمة التي طغى على معظمها الاهتمام بالديكور العصري والتصميمات المميزة والخدمات الراقية أيضا، إضافة إلى مساهمة الأزمة الاقتصادية في نشر ظاهرة المشاريع الصغيرة التي تقدم طلبيات الأكل بجميع أنواعه للزبائن في مناسباتهم الاجتماعية المختلفة، لتساهم الظروف الاقتصادية الصعبة في ولادة هذه المشاريع التي تديرها عادةً صاحبات شهادات عليا أجبرتهن المرتبات الميتة في البنوك على محاولة الحصول عليها من طريق آخر.