نورلاند يكشف عن قرار السراج “التاريخي” وحكاية “الاتصالات” مع حفتر
أكد سفير الولايات المتحدة في ليبيا، ريتشارد نورلاند، أن المفاوضات الجارية بين الأطراف الليبية، بأنها تتجه نحو التسوية، بقوله: ” أحرز الليبيون تقدما نحو تسوية سياسية. وساعدت عدة جولات من المحادثات في جنيف ومونترو، بالإضافة إلى مناقشات مفيدة لبناء الثقة جرت في مصر والمغرب، على تمهيد الطريق لمنتدى الحوار السياسي الليبي المقبل (LPDF) بتوجيه من الأمم المتحدة والآن حان الوقت للتركيز على هذه العملية”.
وأوضح نورلاند، في مقابلة أجرتها معه صحيفة “الشرق الأوسط”، “لقد سئم الناس الحرب وخلال مشاوراتي العديدة مع القادة الليبيين، لمستُ أن هناك إجماعاً متزايدا على أهمية الحوار السياسي – وليس القوة العسكرية لحل النزاع. وبالمثل، يرغب الليبيون بشكل متزايد في إعادة فرض السيادة الليبية وإخراج القوات الأجنبية المسلحة من البلاد”.
وأشار السفير الأمريكي في ليبيا، أن مشاوراته مع المسؤولين في القاهرة وأنقرة، شجعته على مواصلة الجهود لإنهاء الأزمة في ليبيا: “لقد شجعتني مشاوراتي مع كبار المسؤولين في القاهرة وأنقرة في وقت سابق من هذا الشهر وفي أغسطس (آب)، تمشيا مع رغبة الوزير بومبيو في استخدام الأدوات الدبلوماسية الأميركية للمساعدة في تهيئة الظروف التي تؤدي إلى عملية سياسية ناجحة في ليبيا”.
وأضاف نورلاند، “تساعدنا مثل هذه المشاورات على فهم المصالح المشتركة في إيجاد تسوية سلمية تفاوضية للنزاع بدلاً من تصعيد وزيادة زعزعة استقرار ليبيا والمنطقة. وبناء عليه، أود بالتأكيد أن أشجع مصر وتركيا على التشاور مباشرة مع بعضهما البعض كوسيلة لتجنب الحسابات الخاطئة وبناء التعاون من أجل مصلحتهما المشتركة في أن تكون ليبيا دولة مستقرة وآمنة”.
وجدّد السفير الأمريكي دعوة بلاده، إلى رحيل جميع القوات الأجنبية، بما في ذلك المرتزقة والقوات المتعاقدة في ليبيا، مؤكدا أنها تزيد من عدم استقرار ليبيا وتصعيد النزاع.
روسيا والولايات المتحدة:
تطرق السفير الأمريكي في ليبيا، في حديثه للصحيفة، إلى روسيا ودورها في ليبيا، بقوله: “تعارض الولايات المتحدة أي تواجد عسكري أجنبي في ليبيا بما في ذلك تواجد مجموعة فاغنر. وكما رأيتم، فإن جيشنا، أي أفريكوم، قد فضح علناً الأنشطة العسكرية الروسية والحالات التي جلبت فيها روسيا أسلحة متطورة في انتهاك لحظر الأسلحة”.
وتأسف نورلاند، عن تصرف “فاغنر” نيابة عن الحكومة الروسية، وأن “أنشطتها تساعد في زعزعة الاستقرار في ليبيا. أولئك الذين يدعون إلى انسحاب المقاتلين السوريين وغيرهم من غرب ليبيا، على سبيل المثال، لا يمكنهم أن يأملوا في حدوث ذلك طالما استمرت مجموعة فاغنر في تعزيز وجودها في الشرق”.
وعن نوايا روسيا في ليبيا، أجاب السفير الأمريكي، بقوله: “أنا لا أدعي أنني أعرف النوايا الروسية، وهذا السؤال يوجه إلى موسكو. ما أعرفه هو أن الليبيين يبحثون عن وجود عسكري أجنبي أقل وليس أكثر في بلدهم. ونحن نشارك هذا التوجه ونرى أن منتدى الحوار السياسي الليبي هو أفضل أداة لمساعدة الليبيين على تحقيق ذلك”.
وأكد نورلاند أن بلاده لم ترفض إجراء محادثات مع روسيا، وأن لديها اتصالات مع موسكو حول ليبيا، وأن الولايات المتحدة دعمت منتدى الحوار السياسي الليبي، مضيفا “أعتقد أن هناك تياراً داخل روسيا يدعم فعلياً حلاً سياسيا ليبياً ويدرك أن بإمكان روسيا تحقيق مصالحها المشروعة في ليبيا، مثل تعزيز الأعمال التجارية الروسية ومكافحة الإرهاب، من خلال الحوار السياسي. لكن الاستثمار العسكري الروسي في ليبيا يقوض هذا الموقف”.
الإخوان المسلمين وأمريكا:
ردّ السفير الأمريكي على سؤال الصحيفة، حول الانتقادات التي تعرضت لها بلاده، حول دعمهم وميلهم للإخوان المسلمين في ليبيا، بقوله: “نحن لا ندعم أي طرف في الصراع الليبي. من الناحية العملية، لم يكن من المحتمل أن يحدث التدخل العسكري التركي لو لم يشتبك الجيش الوطني الليبي مع مرتزقة فاغنر في هجومه على طرابلس. والتحدي الآن هو مساعدة جميع الليبيين – شرقاً وغربا وجنوباً – على تهيئة الظروف لاستعادة سيادتهم وتمهيد الطريق لرحيل جميع القوات الأجنبية المقاتلة”.
وأشار نورلاند، إلى إنخراط بلاده “في دبلوماسية نشطة مع جميع الأطراف، وهو ما أطلق عليه البيت الأبيض انخراطا دبلوماسية كاملا وتاما (بدرجة 360)، من أجل دعم منتدى الحوار السياسي الليبي”.
وأوضح السفير الأمريكي، أن تجدد الأعمال العدائية لن يُسفر عن منتصر، بل سيجلب المزيد من الإجرام والهجرة غير القانونية ومضاعفة الأزمات على المواطن في ليبيا.
ودعا نورلاند، إلى نزع سلاح المجموعات المسلحة، أو تسريحها أو دمجها، في الأجهزة الأمينة أو العسكرية النظامية الخاضعة للسيطرة المدنية، مضيفا أن هذا القرار يحدده الليبيون أنفسهم.
واشنطن واتفاقية تركيا مع الوفاق:
علّق السفير الأمريكي عن اتفاقية حكومة الوفاق مع تركيا، أن بلاده لا تتخذ موقفا حول النزاعات البحرية الثنائية، وأن هذه المسألة من اختصاص القانون الدولي والمفاوضات بين الأطراف نفسها، وأن ما أقدمت عليه حكومة الوفاق كان لأجل النجاة من الجيش الوطني، : “ما أفهمه هو أن حكومة الوفاق الوطني فعلت ما كان عليها فعله للنجاة من هجوم الجيش الوطني الليبي”.
استقالة فائز السراج:
أثنى نورلاند على إعلان رئيس المجلس الرئاسي، التنحي، واصفا قراره بالتاريخي، “إن قراره التاريخي بالتنحي طواعية يظهر أنه مستعد لوضع مصالح الشعب الليبي فوق مصلحته الشخصية، ويستحق الاحترام. فيما يتعلق بالتوقيت الدقيق، يجب أن أقر بأنه في وقت إعلانه توقعنا أنه سيكون قادراً على تسليم السلطة إلى سلطة تنفيذية جديدة في نهاية أكتوبر”.
وأضاف السفير الأمريكي في ليبيا، أن مسألة توقيت الاستقالة، أنه يأمل أن يبقى السراج في منصبه، بسبب الحراك السياسي الجديد، وبسبب جائحة كورونا: “أتوقع أن يبقى في منصب رئيس الوزراء لفترة أطول قليلاً، على الأقل حتى يصبح انتقال السلطة هذا ممكناً. وأكرر قولي أنه من الواضح لي أنه ينوي التنحي”.
خليفة حفتر والولايات المتحدة:
أعلن السفير الأمريكي، أن بلاده لديها اتصالات مع المشير حفتر والجيش الوطني، وأنه من الممكن أن يكون حفتر، جزءا من الحل، “نعترف بأنهما يمكن أن يكونا جزءاً من الحل إذا كانا على استعداد لاتباع المسار السياسي الخالص. لقد كانت إشارة جيدة من الجيش الوطني الليبي على أن إنتاج النفط يمكن استئنافه لصالح الليبيين. ونحن نتفهم أن ممثليهم يتخذون مقاربة بناءة في محادثات 5+5 هذا الأسبوع في جنيف. إن تواصلنا مع الجيش الوطني الليبي هو جزء من انخراطنا الدبلوماسي الواسع النطاق مع جميع الأطراف، ولا ينبغي الخلط بينه وبين الانحياز”.
إعلان القاهرة وليبيا:
وصف نورلاند في حديثه لصحيفة “الشرق الأوسط”، الحراك المصري حول إنهاء الأزمة في ليبيا، بأنها خطوات مهمة، ودليل على أن القاهرة تستثمر في الحل السياسي في ليبيا، لا الحل العسكري.
وأوضح السفير الأمريكي: “لا أريد أن أتحدث نيابة عن المصريين، لكن في مشاوراتي مع كبار المسؤولين أشاروا إلى نهج براغماتي يعترف بأن التصعيد العسكري لا يؤدي إلا إلى زعزعة استقرار ليبيا ومن المحتمل أن يهدد المنطقة بشكل أوسع. وكجارة (لليبيا)، هذا هو عكس ما يريدون رؤيته تماماً. لذلك سأكرر هنا تقديري الحقيقي لخطوات مصر الملموسة في دعم منتدى الحوار السياسي الليبي”.
الفوضى والإرهاب في ليبيا:
أكد السفير الأمريكي في ليبيا، أن الصراع أعطى الجماعات الإرهابية المجال والفرصة لتجميع صفوفها، وأن جهود بلاده قيّدت تحركات داعش والقاعدة لإعادة تأسيس وجود كبير، لكن التهديد ما زال قائما.
أفغانستان وليبيا:
تحدث السفير الأمريكي، عن تجربة أفغانستان وليبيا، “أثبت كلا الصراعين أنهما عصيين على جهود الحل السلمي، ورغم أن الصراع الأفغاني قد استمر الآن لفترة أطول بكثير من الصراع الليبي. فتح النزاعان المجال أمام المتطرفين والجماعات الإرهابية. ويتضمن النزاعان جهوداً لإنشاء حكومات ديمقراطية في أماكن لم تعرف هذا من قبل. والنزاعان يتسمان بتفشي الفساد وتخندق المصالح التي تعارض الحل السلمي. وأدى النزاعان إلى صعوبات هائلة بالنسبة للمواطنين العاديين”.
وأضاف نورلاند، “تميز النزاعان بتدخل أجنبي مسموم، وفي كلتا الحالتين سعت الولايات المتحدة إلى لعب دور مفيد في دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإن لم يخل ذلك من بعض الأخطاء على طول الطريق. وتمثل كل من أفغانستان وليبيا بوابات تجارية مربحة للأسواق البعيدة. بينما تمتلك كل من ليبيا وأفغانستان موارد طبيعية كبيرة غير مستغلة، وتمتاز ليبيا بقدرتها على الوصول إلى ثروتها الطبيعية ووضعها في السوق العالمية قبل أن تتمكن أفغانستان من ذلك. وهذا يعطي الليبيين ميزة نأمل أن يتم استغلالها من خلال منتدى الحوار السياسي الليبي. وإذا كانت ليبيا قادرة على الظهور كدولة مستقرة وموحدة من خلال الحوار السياسي، فقد تكون مزدهرة بشكل لا يصدق”.
معمر القذافي وليبيا:
تطرق السفير الأمريكي في حديثه عن فترة حكم القذافي السابقة وليبيا اليوم، إلى رواية “في بلاد الرجال” للكاتب هشام مطر، بأنها توضح “أن حقبة القذافي اتسمت بالوحشية والتعذيب، وأن إسقاط طائرة بان إم 103 كان من عمل نظامه أيضاً. ولكن الأسئلة المتعلقة بقيادة دولة ما يجب أن يجيب عليها مواطنو ذلك البلد حقاً. وهذا هو بالضبط سبب تركيزنا الشديد على دعم الجهود الليبية السيادية لتحقيق نهاية دائمة للصراع وإجراء انتخابات وطنية في أسرع وقت ممكن”.
وأضاف نورلاند:”سيجتمع الليبيون من مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك ما يسمى بـ«الخضر»، بشكل سلمي من خلال منتدى الحوار السياسي الليبي، لمناقشة القضايا الأكثر أهمية التي تواجه البلاد وتشكيل مؤسسات حكومية تكون مسؤولة أمام الشعب الليبي. ويقف هذا الحوار في تناقض قوي مع النظام السابق، حيث لم يكن لليبيين أي رأي في كيفية اختيار القادة، ولا حرية لانتقاد القادة، ولا سلطة للمطالبة بالمساءلة. ولا أحد يستطيع أن ينكر أن السنوات التي تلت الثورة كانت مضطربة، ولكنني أعتقد أن هناك فرصة حقيقية لليبيين للشروع في بناء مستقبل أكثر إشراقاً”.