نهاية العام… بين الأسطورة والرجم بالغيب
د. جبريل العبيدي
في نهاية كل عام شمسي (ميلادي)، يظهر مدعو معرفة الغيب من المنجمين والعرافين، وإن كان بعضهم يتهرب من تسمية منجم، ويجب ألا تكون، واصفاً نفسه بالفلكي في محاولة منه للتضليل. واستخدم بعضهم مخطوطات مثل «هوراسكوب»، وهو عبارة عن خريطة تبين مراكز الكواكب، ونسبتها إلى الأبراج، وربطها بمصير الإنسان، وتكهنات أخرى.
التنجيم والرجم بالغيب، ومحاولة جعله ضمن العلوم التطبيقية، خطأ يقع ضمن محاولات القائمين عليه لإقناع الرافضين له بكونه مجرد «علم تطبيقي» يمكن الخوض فيه. ونظراً لشغف الإنسان وولعه بمعرفة الغيب وإطلاعه عليه، ورغم تحذير الخالق له بأنه خالص لله في قوله تعالى: «عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً»، فإن الإنسان خاض فيه، فكان ظالماً جهولاً.
وقصص التنجيم كثيرة وشهيرة، كقصة السكارى الثلاثة الذين نبشوا قبر نوستراداموس، أشهر المنجمين الذين عرفهم التاريخ، هذا المنجم الفرنسي الذي كان يقوم بكتابة الأحداث على شكل رباعيات غير مفهومة في كتابه «النبوءات» (Propheties)، يصعب فك طلاسمها، وهناك من يظن أنها تصلح لزماننا. ويقال إنه تنبأ بنبش قبره بعد وفاته.
المفسرون يقسمون الغيب إلى أنواع مختلفة، منها النسبي ومنها المطلق. ومن باب الغيب النسبي، تسلل المنجمون والعرافون، فالتنجيم كانت نشأته عند البابليين، في بلاد ما بين النهرين، وكان منهم من راقب حركة النجوم والكواكب في مسارها في السماء، ورسم لها خرائط، ووضع لها رموزاً مثل الجدي والميزان والسرطان والجوزاء والعقرب والميزان والحوت، وربطها بما زعم أنه قدر الإنسان، وحقيقة القول أنه قد يحالف الحظ بعضهم، إلا أنه يبقى رهناً للاحتمالات، ونسبة حدوث الحدث مرهونة بنسبة تكراره.
وللأسف يتعدى الإنفاق على التنجيم في بعض البلاد العربية المليارات التي لو صرفت في أوجه التنمية لاستطعنا انتشال بلاد العرب من أساطين التخلف، وتوقفنا عن قراءة أقداح القهوة، وحتى الشاي، مدفوعين بمركب النقص وفضول معرفة المجهول.
الاحتفاء بنهاية عام وبداية آخر يخالطه كثير من المفاهيم والممارسات الخاطئة الأخرى التي يحشوها البعض في عقول الأطفال دون معرفة بجذورها التاريخية. ففي نهاية عام وبداية عام آخر جديد، تظهر علينا شخصية «سانتا كلوز»، أو «بابا نويل» كما يحب البعض تسميته، وهو شخصية من اختراع راهب يدعى نيكولاس، وكان أسقفاً على «ميرا» وعاش في القرن الخامس الميلادي، وهو الذي روج لهذه الشخصية بشكلها الحالي، على صورة «سانتا كلوز» الرجل العجوز صاحب الرداء الأحمر واللحية البيضاء، في قصيدة «الليلة السابقة لعيد الميلاد»، للشاعر الأميركي كلارك مور، في حين أن البعض يظنها شخصية أسطورية، وهي حقيقة رمزية لفكرة من الموروث الجرماني، حيث كان الأطفال ينتظرون الإله تور، الذي يحضر الهدايا للأطفال الذين قاموا برفع أحذيتهم عند مواقد النيران في بيوتهم في انتظار الهدايا، وهي صورة ذهنية خاطئة، ترسم في ذهن الأطفال متسربة لنا من قبل دعاة التغريب، حتى تكاد تشكل خطراً، ولو رمزياً، على سلامة ذهنية أطفالنا عبر تسلل بعض المعتقدات الخاطئة إليهم، في غفلة منا وجشع من التجار، فمن الممكن أن يسعد أطفالنا ويفرحوا في غياب «سانتا كلوز»، ويمكن لنا الفرحة معهم بقدوم عام جديد مقبل دون التنبؤ بأحداث كاذبة، تلقي بها أجهزة مخابرات في أفواه المنجمين والعرافين لتمهد لعمليات استخباراتية مقبلة؛ ربما من إسقاط حكومات وغياب رؤساء إلى تقسيم بلدان إلى التكهن بسقوط طائرات وحدوث كوارث.