موسم السؤال: وهو والدُ الحرية
عمر أبو القاسم الككلي
ترتبط المعرفة، لدى بلخير الغدامسي، بأربع ركائز مهمة، وهي الخيال والقلق (وهو الشك)، والسؤال والوجع.
فالخيال أحد أبواب العلم:
“… فبينا أنا في مقام الخيال جاءني وهمه وقال لي: الخيال باب من أبواب العلم لا يلجه إلا الوالهون” ص 199*.
“وقال لي: الخيال عمل صالح فإن أضاعك منه وهم اطرحه عنك وأمعن في الخيال.
وقال لي: أمعن في الخيال” ص 199.
والخيال نفسه ليس طليقا، وإنما هو مسؤول وهو مصدر تطور العلوم:
“وقال لي: الخيال الذي تدخل به على محل العلوم، مدخل مراجعة، ومحل نظر، وموضع حساب.
وقال لي الخيال آلة تشحذ وتفل، وتقبل وترد، كحال آلاتك جميعا.
وقال لي: الخيال علم تدخل به على علوم نقص مقدارها فلم تبلغ بها فهما يسد فرجة جهلك الأكبر” ص 199.
كما أن المعرفة ترتبط بالقلق والشك، فوجود أحد هذين العنصرين يولد الآخر. القلق يولد الشك والشك يولد القلق، وعنهما يتولد السؤال. فالقلِق يشك ويسأل، والشاك يقلق فيسأل، وهذا يجعله ينتزع نفسه من نير الإذعان ويتحرر من غل التسليم. هذا يقود إلى معرفة يصحبها الوجع. يسمي بلخير أحد مواسمه “موسم القلق: وهو الشك”. يقول:
“فجاءني يفزع وقال لي:
في القلق معنى حريتك، حيث الحرية بنت السؤال” ص 150.
“وقال لي: الرحم تكون للأسئلة، وليس للأجوبة رحم”ص 153.
“وقال لي: وجع المعرفة منعقد بالأسئلة لا بالأجوبة” ص 201.
“وقال لي: لا تقعد على ‘‘ماذا‘‘ ولكن على ‘‘كيف‘‘. فإن في ماذا العطشَ وفي كيف حد ارتواء” ص199.
“وقال لي: في القلق معنى إنسانيتك، حيث الإنسانية بنت القلق” ص 150.
“وقال لي: الشك يشحذ عقلك بالسؤال” ص 151.
“وقال لي: القلِق روح تضرب في فضاء الإمكان تريد هتكه حتى ينفض” ص 152.
“وقال لي: القلَق يفصلك عن العالم ويغمرك بالعالم في مقام واحد” ص 153.
“وقال لي: الفكرة القلقة علامة بإنسانيتك الكاملة” ص 153.
في “موسم المعرفة: وهو الوجع” يلح بلخير على ارتباط المعرفة بالوجع:
“وقال لي: للمعرفة وجع لا يعرفه إلا قلب الإنسان.
وقال لي: المعرفة هي الوجع الكامل.
وقال لي: المعرفة والوجع من صلب واحد وتَريبة واحدة” ص 200.
“وقال لي: وجع المعرفة يقتات من جسد الأسئلة العظيمة” ص 201.
وفي النهاية:
“وقال لي: وجع المعرفة معرفة” ص 201.
* كتاب الحديقة: وهو سفر الخلافة، متن: الشيخ بلخير الغدامسى. حاشية: أبو الحارث موسى بن إبراهيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2015.