خاص | 218
قبل شهر ونيِّف، أطلق رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، مشروعهُ لدعم الشباب المقبلين على الزواج، ورصد له ميزانية بلغت مليار دينار، في محاولة منه لدعم شباب ليبيا بعد سنوات من الاستقطاب والجذب، نحو مساراتٍ أخرى تختلف اختلافاً كلياً عن “مشروع الدبيبة”؛ مساراتٌ ارتفع فيها أزيز الرَّصاص وتصدرتها ناقلات الجند والمدرعات والطائرات، مرحلةٌ من الحروب لا عَمار فيها سوى امتلاء المقابر بالجثث والأشلاء، كان ذلك في الماضي القريب، قبل انبثاق حكومة الوحدة الوطنية من رحم مسارات الحوار في “برلين” و”جنيف” وغيرهما.
ولادة الحكومة رافقها استقرار الأوضاع الأمنية بشكل نسبِي، ووقف تامٌّ لإطلاق النار، وغدت البلاد مقبلة على عهدٍ جديد، لا مجال فيه لنشوب صراعات مسلحة، تستنفد حياة الشباب أو تُدخلهم وسط دوامة “الجماعات المسلحة”، وهي مؤشرات وصفها مراقبون بالمُبشّرة في المُضي قُدماً لتهيئة مختلف معالم الحياة.
لا حرب إذًا؛ فكيف يستعيد الشباب معيشتهم الطبيعية، أو تلك التي عهدوها قبيل اندلاع الفوضى على أقل تقدير؟ وما خيارات الحكومة لتحقيق ذلك؟
عشرات الآلاف عاطلون عن العمل
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وبلوغ عدد الباحثين عن العمل من الشباب قرابة 128 ألفاً و679 شخصًا مسجلين لدى وزارة العمل، حتى منتصف العام الماضي؛ قفز رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، تاركاً ومتجاوزاً كل التحديات والعراقيل، بإعلانه مبادرة الزواج، التي انطلق تنفيذها بالفعل، دون مراعاة الوضع العام للمتقدمين على الأقل، علاوة على ذلك، لم تُقدّم الحكومة دراسات رسمية لتنفيذ المبادرة الرئاسية، واقتصر العمل على منظومة لتسجيل الراغبين في الحصول على المبالغ المالية فقط.
تضارب الآراء
يرى الصحفي والمهتم بالشأن العام محمود شريف، أن الحكومة استطاعت، من حيث الواقع بهذا القرار أن تكسب تأييداً شعبيًّا واسعًا لاسيّما فئة الشباب المقبلين على الزواج، واصفًا تلك الخطوة كمن استطاع “إحلال السلام محل الخصام”، “شريف” أوضح في حديث لـ”218″ أن عبد الحميد الدبيبة تمكن -فعلياً- بذلك من استبدال “خيام” الأفراح والأعراس، بـ”خيام” العزاء التي اكتوى بلهيبها معظم الليبيين، طيلة السنوات الماضية بسبب ويلات الحروب التي خلّفت آلاف الضحايا.
لكن “شريف” وهو صحفي من مدينة طبرق، حذّر من تبعات سلبية وعواقب وخيمة ستُحدثها مبادرة الزواج على المدى البعيد، بصرف النظر عن الدَّفعة المعنوية للمبادرة، وفي خضم ذلك أضاف: “أمّا من حيث المنطق، فإن الشباب الليبي بحاجة إلى المسكن وفرص العمل التي تُؤمّن لهم دخلاً ثابتاً، تمنيتُ لو أن الحكومة قد بدأت بالنظر إلى تأمين هذه الاشتراطات باعتبارها أولويات مهمة من أجل بناء أُسرةٍ متماسكة تُرسخ بدورها دعائم السِلم الاجتماعي في ليبيا”.
تحمّل المسؤولية الزوجية ومخاطر الطلاق
أقبل الكثير من الشباب -في مختلف المدن- على مبادرة الزواج بأعمار متفاوتة، ولم تُقدّم الحكومة -حتى الآن- إحصائية تُوضح أعمار الزوجين، إضافة إلى أن القرار لم يُقيد المستهدفين بشروط مسبقة تقلل مخاطر المشاكل الاجتماعية ولعلّ أبرزها الطلاق الذي يُعد معضلة حقيقية لحديثي الزواج، كما أن خبراء في علم الاجتماع ونشطاء مدنيين حذّروا من مؤشرات قد لا يُحمد عُقباها للـ25 ألف زيجة، استناداً إلى تأثير عدم تحمّل المسؤولية الزوجيَّة، إضافة إلى بيانات محاكم ليبية وثّقت وقوع 7476 حالة طلاق في سنة 2019، حسب مستندات رسمية حصلت عليها “218” في يوليو 2020.
التحول من هدف سامٍ إلى تجارة واستغلال
مع اختلاف الآراء حول “مبادرة الدبيبة” وانقسام الشارع الليبي بين مُؤيد لها وآخر معارض بشدة، رأى مسؤول حقوقي بارز في ساحة الدفاع عن الحريات، في تصريحاته لـ”218″ أنّ المبادرة وُلدت ضعيفة ولا تخدم الشباب بشكل متكافئ، حيث كان لزامًا على الجهات المسؤولة، منحها وفقاً لاستراتيجية وخطة شاملة ومتكاملة، وليس بقرارات عبثية عشوائية، مضيفًا أنها حوّلت الزواج من هدف سامٍ إلى متاجرة واستغلال، وفق تعبيره.
الحقوقي الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب شخصية، أشار إلى وقوع أفعال خطيرة في المجتمع الليبي، على ضوء “مبادرة الزواج”، قائلًا: “هناك أنباء تتحدث عن عقود زواج غير واقعية ودونما معاشرة بين الزوجين (زواج على الورق) مع بقاء الفتاة في بيت أسرتها، في المقابل يتم تقاسم قيمة 40 ألف دينار بين الزوجين بالتراضي، وتأتي بعد تلك الصفقة إجراءات طلاق سليمة خالية من التعويضات بناءً على عقد الزواج المُعدّ مسبقًا”.
وتابع الحقوقي: “سنرى مآسي هذه الكارثة التي أطلقها الدبيبة من خلال سجلات الطلاق والمحاكم والفضائح التي ستظهر بعد ذلك جليًا، ناهيك عن التفكك الأُسري والاجتماعي الذي ستتسبب به حالة إبرام عقود الزواج غير الواقعية، والتلاعب بقيمة الزواج الدينية والإنسانية في مضمونها إلى زواج مصالح”، مُنبّهًا في هذا السياق من اندفاع الشباب وراء فكرة منحة الزواج، دون توفير أساسيات الاستقرار الاجتماعي والأسري، وبالتالي الوقوع في مشاكل اجتماعية لا حصر لها، على حد تعبيره.
وأكد في ختام تصريحاته، أن “منحة الزواج” تخدم وتساعد فئة واحدة من الشباب وهم المقلبون فعليًا على هذه المرحلة، وقاموا بتجهيز أنفسهم لها بنسبة ٥٠ إلى ٦٠ %، قبل إعلان المبادرة، لافتًا إلى أن هؤلاء فعلاً صادقون في نوايا الزواج أسسوا له التأسيس السليم من حيث فرصة العمل وتوفير السكن، وستساهم المنحة في توفير احتياجاتهم المادية كالأثاث وتكاليف الفرح.
وتفتح مبادرة الزواج الباب على مصراعيه لشرائح واسعة من الليبيين، لإبداء آرائهم ووجهات نظرهم، فمنهم من أيّد وبشدّة هذه الخطوة، فيما طالب آخرون بتقديم المزيد من الدعم عبر منح القروض المصرفية والعقارات السكنية، وغيرهم من دعا إلى عدم اقتصار المساعدات الحكومية على الدعم المالي فقط؛ فتهيئة الظروف الأمنية المناسبة للعيش وتوفير بيئة آمنة للعمل والتنافس أسوة بشباب دول العالم، ذلك ما يطمح له شباب ليبيا اليوم.