مناضلات ليبيات.. أسماء لمعت في زمن البدايات الصعبة
لطالما كان الطابع الذكوري، والسمات المحافظة التقليدية، صنويْن متلازميْن، مَيّزا الشخصية الليبية ورَسما ملامح الصورة النمطية للمجتمع الليبي، إلا أنها صورة لا تبدو عادلة، مع التغير المحسوس الذي شهدته المنظومة الاجتماعية المحلية، عقب انتشار المؤسسات التعليمية ذات التوزيع الأفقي التي مكّنت الفتيات من الدراسة خاصة في المجتمعات الريفية، والتدرج في السُلم التعليمي ثم الولوج إلى الوظائف الحكومية وإثبات الجدارة المستحقة دون وجود أي مُكنة قانونية أو تشريعية تمنح المرأة ميزة تفضيلية عن الرجل في إطار تقلد الوظائف العامة.
مكاسبٌ تحققت مع التغير الدراماتيكي المتسارع للمجتمع الليبي حيث وجدت المرأة مساحة للتميز وإثبات الذات رغم بعض القيود والمثبطات الموروثة على الصعيد الاجتماعي والمرتبطة بفكرة الممنوع والمحظور إما لسياقات مجتمعية أو أخرى دينية شكلت في مجملها وحتى وقت قريب “تابوهات” يمنع الاقتراب منها أو تجاوزها.
مكاسبٌ نسائية لافتة؛ تحققت مؤخرًا تبوأت خلالها المرأة مناصب رفيعة على رأس حقائب وزارية لم تكن لتتحقق لولا أولئك النساء اللائي مثلن النخبة الطلائعية و الباكورة النضالية، حيث دافعن عن حضورهنّ المستحق وشكّلن نبراسًا للأجيال اللاحقة على رأسهنّ الرائدة “خديجة الجهمي” ذات الصوت الإذاعي التي رافق الإعلام الليبي في شرارة انطلاقته الأولى، عبر أثير إذاعة بنغازي عام 1960م، فكانت مقدمة برامج ومذيعة أخبار إلى جانب حضورها الأدبي ودفاعها عن حقوق المرأة، الذي قادها لتأسيس الاتحاد النسائي الليبي، لتشكّل مع المذيعة “عايدة الكبتي” التي تعد أول مذيعة أخبار في التلفزيون الليبي عام 1968م أيقونتيْن مشرقتيْن في سماء الإعلام الليبي.
اسم نضالي آخر؛ يستذكره الليبيون بفخر مع سيرة “زعيمة الباروني”، ابنة المجاهد والرمز الوطني سليمان الباروني والتي أرخت لمسيرة الجهاد الليبي ومحطاته الفاصلة فكانت مرجعًا تاريخيًا حقيقيًا وهي شاهدة عيان على مسيرة والدها النضالية حيث رافقته وعايشت المحطات المؤثرة في تاريخ البلاد، بالإضافة إلى كونها رائدة في المجال الأدبي منذ أن عملت في قطاع التربية والتعليم كمدرسة عام 1950 وحتى انضمت إلى كوكبة الدفاع عن حقوق المرأة مع تأسيس جمعية النهضة النسائية في طرابلس عام 1958م.
المجال الطبي والعمل الإنساني كان حافلاً كذلك بأسماء نساء ليبيات أثبتن جدارتهن على رأسهنّ طبيبة الباطنة “ألفت العبيدي” والصيدلانية “وداد الساقزلي” التي نالت عضوية جمعية الصيادلة وجمعية الصحة الملكية البريطانية، بالإضافة إلى أسماء لامعة وكوكبة من المربيات والمعلمات اللائي ساهمن بشكل فعال في البرامج الوطنية والتربوية الداعمة لتحسين التعليم و المناهضة للأمية التي كانت مشكلة مزمنة عانت منها ليبيا في بداياتها مع تجاوز نسبة الأمية خلال خمسينات القرن الماضي معدل 90% شكّلت النساء السواد الأعظم من هذه النسبة.
أسماء انطلقت في زمن البدايات الصعبة فكان لها قصب السبق، وهي أسماء لم ترد هنا على سبيل الحصر، ولكنها تطرح سؤال جدي عن مكانة المرأة في المجتمع وحجم التضحيات التي بُذلت في سبيل فتح المجال وتهيئة الأرضية أمام نساء أخريات ؟
لا شك أن الوضع الاجتماعي الموروث في ليبيا لم يكن يمنح المرأة مساحة لإثبات الذات مع طغيان الثقافة الذكورية وإبداء الممانعة تجاه أي دور محوري للمرأة في المجتمع لذلك كان اقتحام المرأة لوظائف ولعب أدواراً داخل المجتمع حدثًا في حد ذاته دفعنَ ضريبته أحيانًا وتجاوزنَ فيه الإطار التقليدي الذي يرى أن “المرأة مكانها البيت” وهنا مجهود نخبوي مبكر قطفت المرأة الليبية ثماره اليوم.
تراكمات نضالية خلقت واقعاً مقبولاً تكشف عنه الأرقام والإحصاءات حيث تشكل المرأة الليبية اليوم 36 % من العدد الكلي للعاملين في ليبيا وفق إحصائية صدرت عام 2019 وهي نسبة تصاعدية تسجل فيها المرأة حضورًا في القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة بنحو 880 ألف موظفة وعاملة رغم عدم توازنها مع عدد السكان الذي تتساوى فيه تقريبًا عدد النساء والرجال فوفق إحصاءات البنك الدولي يبلغ سكان ليبيا حوالي 6,87 ملايين نسمة يُشكّل النساء حوالي 3,40 مليونًا بنسبة 49,52% .
خطوات رائدة لنساء ليبيات؛ خلدن أسماءهن في تاريخ النضال فتبعتهنّ أخريات مع انتظار أن يتوّج كفاح المرأة في ليبيا بحضور أكبر في مجالات العمل السياسي والدبلوماسي أسوة بنظيراتها في المحيط الإقليمي مع امتلاكها أدوات التميز والإبداع.