مقاربة مختلفة لحل أزمتنا
محمد المفتي
بين فشل الدولة، والصراعات اللامتناهية والمناورات التعطيلية، ألا يجدر بنا أنْ نبحث عن مقاربة مختلفة لحل أزمتنا المستحكمة؟
لنـتـرك جـانـِباً لغـةَ الحـذلقـة والمجادلات القانونية التي تُغطي فقاعاتـهـا شــاشات القـنـوات وتحجب عـنّا حـقــائق الأمـور .
ولنفترض مثلاً من باب تأكيد حُسن النية، أنّ كلّ أصحاب القرار السياسي عندنا، أيْ مَن يحكمون ليبيا الآنْ ويحملون ألقاباً ســلـطوية، لنفترض أنّهم أشخاص طيبون وحريصون على مصلحة الوطن. ولكنْ لكلٍ منهم وجهةُ نظر خاصة حرصاً على الوطن. وطبعاً سيضعُ كلٌ منهم اللومَ على خصومهِ أو منافسيه.
اختلافُ وجهاتِ النظر أمرٌ شائع في كل المجتمعات. وتضاربُ الآراء لا يعني أنّها كلها خاطئة. تخيّل أي حرب أهلية في بلدٍ ما وفي أي عـصـر. ستجد مَن يؤيدها ويدعوا لها، لأنها ستحقق هدفاً ما، وليكنِ الحرية أو العدالة أو دفاعاً عن فئة مستضعفة أو إرساء مذهب أو عقيدة. بالمقابل سيكون هناك مَن هم ضدّ الحرب، وضد الاقـتتـال، أيضا من باب الحرص على الوطن، لأن الحرب تدمر المدن، والاقتصاد وتترك البلاد نهباً لكل طامع.
أعتقدُ أنّ الكلام منطقي في مجمله.
السؤال هو مَن يحكم على هذه التعميمات؟ ومن يفصل بين الرأيــيـن؟
في ظني، المواطن البسيط هو من سـيعطينا الإجابة الصحيحة فهو لا يحفل بالنقاش النظري ولا الدســتـوري، بل يؤسس أحكامه على القدرة الشرائية للدينار (كم يجيب لك؟)، وتوفره (السيولة) وسعر فردة الخبز أو خروف العيد، ومدى توفر الغاز والبنزين والكهرباء. وإذا فشل الحكــّـام في رفع المعاناة، عليهم أن يرحلوا.
طـبـعاً هـناك تفسيرات أخرى لفشل الحكـومة مثل نهب المال الـعــام وخـدمة مصالح الأجـنبي.
لكن ما يُحيرني، ليس مواقف ســاسـتنا المتنفـذين فعلياً، أو الدوافـع التي تحرك بعضهم من قوى خـفـية سواء أكانت دول أو شركات أو متاجرين أو مهربين ..إلخ. ما يُحيرني هـو أنّ عـدد من يتولون المناصب العليا لا يتجـاوز العشرة. نعم، وبالاســم والعــدد.
هـؤلاء العشرة، ألا يشعرون بمعاناة المواطن؟ وألا يفكرون في حكم التاريخ عليهم؟
لكن دعونا من هذه المناشـدات العاطـفـية. حين يمر المبعوث الأممي أو نائبته أو سفير دولة أجنبية ليجتمع بكل مسـئول على انفراد، أليست تلك اللقاءات في مجموعها بمثابة اجتماع مشترك؟ فما الذي يمنع هؤلاء العشرة الليبيين أن يلتقوا في مكتب أو مربوعة في نالوت أو هـون أو أوجلة؟ أو في حقل نفطي بعيد أو حتى في غرفة إفاقة بمستشفى. وألا يسـتـطيع سـفراء وقادة الدول التي تهـتــم بالشأن الليبي أن يرغموا هـؤلاء العشرة على الجلوس معاً؟
وفي مثل هـذا الاجتماع، دعونا أولا نقتطع ونضع جانباً حق المواطنين في الغذاء والدواء والماء والكهرباء. ونقتطع مخصصات أخرى لصيانة الطرق والمطارات والموانيء، والباقي مرتبات .. إلخ.
بهذه المعادلات البسيطة التي تتعقد كلما غصنا في تفاصيلهـا، يمكن أن نجــد مخرجـًـا من هذه الأزمة. وبدونـهـا سـتتواصل معاناتنا وتتفاقم، ويخسر الجميع ! لقد تجاوزت مسرحية اللقاءات والتوافـقـات والتراجـعــات حـدها الكوميدي.
المطلوب حـد أدنى من الضمير والصدق والثقة، ومواجـهـة النـفـس فقط.
والشعب الليبي بريء من هذه الصراعات، و95% من الليبيين لم يشاركوا في النهب أو القتــال والتـدمير. فقط أولئك العشرة ومن ناصرهـم هـم المسـئولين عن أزمتـنـا وأيضاً عن حـلهـا.
قد لا يرضى المحللون وكتاب المقالات والمتحـاورون في الجلسات الخاصة عن مثل هذا التحليل، ويفضلون لغة الشتائم والإدانات، لأنها تفرغ شحنات الغضب وتنهي النقاش بسرعة بكلمتي الفساد والعمالة !! لكن كل ذلك لم يـقـودنا إلى حل طـيلة السنوات الماضية.
وكل سـنة وانتوا طـيـبين.
المصدر : صفحة الكاتب على فيسبوك