مــاذا لـو؟
عصام جادالله
جميل أن نسرح بخيالنا بعيداً بعض الشيء عن واقعنا الذين نعيشه يوميا، نبتعد ونغوص بأفكارنا ونشد الترحال بخيال واسع إلى أمور تمنينا أن تحدث او تكون وموجودة فعلياً في حياتنا.
فالكثير لديهم أفكارهم وأحلامهم وتخيلاتهم الخاصة، وكل منا يحتفظ بها لنفسه وربما يتحدث عنها لأقرب الناس إليه ومرات أخرى يخبر بها الجميع علانية.
بالنسبة لي دائما ما كانت تأخذني مخيلتي لتساؤلات عن أشياء حدثت!! أتساءل… ماذا لو لم تحدث؟
فالزمن وتغيراته أجدهما لاعبا أساسيا في رسم المستقبل وتكون نقاطه الفاصلة في مراحل زمنية معينة السبب وراء رضانا من عدمه عن ما وصلنا إليه.
تلك التساؤلات الكثيرة كما ذكرت تدور للحظات في خاطري ولكنها ترحل بي بعيدا عن الواقع، جلها يتمحور حول سؤال واحد دار لمرات عديدة ببالي وهو: ماذا لو لم يحكم القذافي ليبيا؟
سؤال يفتح أبواباً واسعة لتصور مستقبل تلك المملكة الوليدة التي استطاعت في 18 عاما من عمرها، أن تتقدم مصافّ دول العالم الثالث فترة ما بعد الاستعمار، بمؤشرات اقتصادية وتنموية إيجابية، مؤشرات تحمل في طياتها سنوات مشرقة لمواطنيها، فالدولة كبيرة المساحة والمترامية الأطراف التي توحدت تحت راية الاستقلال بمليون نسمة، جعلت أهم أهدافها الاستثمار في الإنسان من خلال تقوية البنية الأساسية للتعليم فقادتها يعلمون جيداً أن العقول النيرة هي من تبني الدول وتضمن مستقبلا زاهرا لشعوبها.
وبالرغم من مواردها الضعيفة في بداية تأسيسها، مع مشاكلها الاقتصادية الكثيرة بعد الاستقلال إلا أن القيادة الحكيمة تلك الفترة رفعت سقف الطموحات عالياً خاصة بعد اكتشاف النفط وتحسن الوضع المالي وانتعاش الخزينة العامة، عوامل قفزت بتطالعات رجال المملكة إلى الأمام بوضع خطة خمسية يشرف عليها فريق تخطيط مختص يتكون من 250 خبيرا ومؤهلا اختيروا من الجامعات الليبية والكفاءات الأجنبية، خطط كانت ستخلق من ليبيا نموذجاً في المنطقة العربية.
يأتي كل ذلك مع تقدم ملموس على أرض الواقع فالمدن الليبية ورغم صغرها ما قبل 1969 إلا أنها كانت شبية بالأوروبية في طرازها وتصاميمها الهندسية وبنفس المستوى تقريباً من ناحية البنية التحية المتطورة، فالطرق والشوارع مجهزة بصناديق دفع ضريبة التوقف بالمكان الخاص للسيارات، والدراجات الهوائية لها مكانها المخصص، والمسارح ودور السينما منتشرة في كل المدن، إضافة إلى المكاتب والمقاهي وغيرها من الاأماكن الترفهية والثقافية التي تدل على أسلوب حياة راقي وأكثر نظاماً مع قانون حاضراً بقوة أمام المخالفين، فتخيل معي ولـو قليلا بأن الانقلاب لم يحدث والمملكة موجودة لغاية هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال، كيف سيكون وضع بلادنا بين الأمم اليوم، وأين كنا سنكون وشـكل حياتنا ومدننا وبنيتنا التحتية!؟
بالتأكيد إذا ما استمر عهد المملكة ولم يحكم يوما القذافي البلاد لما شاهدنا وعاشنا اليوم عصر ليبيا الممزقة الغارقة في الفوضى العمرانية والفكرية والأخلاقية للأسف.. فأجيال ضاعت أحلامها وتطلعاتها بسبب حملات التجهيل الممنهج من قبل نظام تسلطي أرجع البلاد سنوات غلى الخلف، لم يقدم خططا واضحة للمستقبل ولم يستثمر في بناء الإنسان وكان يجد التعليم أكبر عدو لبقائه واستمراره، لم يعمل على تطوير الدولة التي استلمها بدستور ونظام حكم يعد في تلك الفترة من أفضل الأنظمة دستوريا في المنطقة العربية، مع عدد نسمات قليلة وشعب يتمتع بغالبية من الناس الخيرة، ذلك الشعب الذي غاب اليوم بكل صفاته وطباعه الحميدة كان ليساهم في أن نكون اليوم أمام ليبيا ليست كما التي شوهها وغدر بها القذافي، والتي وصلت لوضعها الحالي بسبب سياساته العدوانية التي تعكس أفكارا ونفسية مريضة فكرياً متعطشة للتدمير أكثر من البناء شخصية كانها ليست من أبناء هذا الوطن، فهل هناك من يكره الخير والرخاء لبلاده؟
في النهاية يبقى التاريخ واقع وواقعنا اليوم يحتم علينا النظر وإنصاف عهد ما قبل 69 عندما تناسى في سبتمبر الليبيون جملة الملك الراحل الشهيرة “المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله” لتبدأ من بعدها نهاية مشروع ليبيا الحديثة وتتوقف عجلة الزمن عند ذلك التاريخ المشؤوم 01-09-1969 .
لذلك سيظل هذا التساؤل يدور في مخيلتي إلى أبد الدهر، ماذا لو لم يحكم القذافي ليبيا لمدة 42 عاما؟ كيف كانت ستكون بلادنا اليوم