مساعي تركيا في شرق المتوسط تعود بالنفع على روسيا
ديميتار بيشيف
بدأت التوترات تتصاعد من جديد في منطقة شرق البحر المتوسط. فتركيا تلقي بثقلها في كل أنحاء المنطقة، من المياه المتنازع عليها حول قبرص إلى ليبيا التي مزقتها الحرب.
غير أن تحالفا منافسا يتصدى لتلك المساعي، يجمع بين اليونان وإسرائيل وجمهورية قبرص ومصر، أضف إلى ذلك الأردن والسلطة الفلسطينية وإيطاليا، وهي دول أعضاء في منتدى غاز شرق المتوسط الذي تم تدشينه حديثا، تلك المبادرة التي تستبعد تركيا.
ومن بين خصوم تركيا الرجل الليبي القوي المشير خليفة حفتر، إلى جانب لاعبين آخرين مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وتعتبر الولايات المتحدة عضوا مشاركا في هذه المجموعة، مثلها مثل فرنسا التي تدعم حفتر أيضا. وهناك بعد ذلك روسيا التي على الرغم من تقديمها الدعم للجنرال الليبي لا تزال تلعب دورا غامضا في تلك المواجهة.
بعد إبرام اتفاقية ترسيم الحدود مع حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا في طرابلس الشهر الماضي، يتعهد أردوغان الآن بإرسال قوة رد سريع لصد هجوم حفتر على العاصمة الليبية.
ثمة مواجهة أيضا بين تركيا وإسرائيل. الأحد الماضي، أرغمت البحرية التركية سفينة أبحاث إسرائيلية تستكشف النفط والغاز البحريّين بترخيص من السلطات القبرصية على العودة والابتعاد عن الجزيرة. في المقابل، حلقت طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي فوق سفينة تنقيب تركية. وأرسلت تركيا طائرة دون طيار إلى شمال قبرص لحراسة سفينتي (ياووز) و(فاتح) اللتين تنقبان عن النفط والغاز. يبدو أن تركيا على شفا الدخول في مواجهة عنيفة في قبرص أو ليبيا، أو في كلتيهما.
إن سياسة حافة الهاوية قد تحقق مكاسب لأردوغان وقد لا تحقق، غير أن هناك لاعبا من المرجح أن يجني بعض المكاسب من الأزمة التي تلوح في الأفق؛ ألا وهو روسيا.
معظم المراقبين على ما يبدو، يعتبرون روسيا جزءا من أحد التكتلات المتنافسة في شرق المتوسط. ذلك أن لديها علاقات طويلة الأمد تربطها بالقبارصة اليونانيين، كما أنها دولة صديقة لإسرائيل، وزادت صفقاتها لبيع الأسلحة إلى مصر بشكل كبير منذ أن تولى عبدالفتاح السيسي السلطة في العام 2013. كما يقاتل المرتزقة الروس أيضا في طليعة قوات حفتر. وقد أشار أردوغان هذا الشهر إلى وجود شركة (فاغنر)، وهي شركة عسكرية خاصة يترأسها رجل الأعمال المرتبط بالكرملين يفغيني بريغوجين، باعتباره مبررا لكي يرسل هو أيضا قوات إلى ليبيا.
بعبارة أخرى، يبدو أن روسيا عالقة مثل الأتراك في نفس اللعبة ذات المحصلة الصفرية، التي يربح فيها طرف على قدر خسارة الطرف الآخر. فخسارة أردوغان مكسب لبوتين، والعكس صحيح. ويرى أتباع هذه النظرية أنه ينبغي لروسيا أن تحشر تركيا في الزاوية كي تربح في نهاية المطاف. بيد أن هذه المهمة تظل صعبة بكل تأكيد.
وهذه القراءة للسياسة الروسية تنطوي على فهم خاطئ لعدة أمور.
أولا، على الرغم من علاقاتها مع السيسي وحفتر، تتوخى روسيا الحذر في ليبيا. ويقول الخبير الروسي المعني بشؤون الشرق الأوسط كيريل سيمينوف، إن شركات الطاقة الروسية الكبرى تعمل بارتياح مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس. كما أن تقديم شركة (فاغنر) المساعدة لحفتر بدلا من الجيش الروسي يمنح موسكو درجة من المرونة. وفي أي حال من الأحوال، فإن مصر والإمارات العربية المتحدة تقدمان معظم الدعم إلى الجنرال الليبي. أما عن التدخل الروسي على نفس مستوى سوريا فهو أمر مستبعد للغاية، خاصة حين تقدم تركيا المساعدة لرئيس حكومة الوفاق الوطني المحاصر فايز السراج.
ثانيا، النتيجة التي تفضلها روسيا على الأرجح هي التوصل إلى تسوية من نوع ما بين الطرفين المتحاربين، والتي من شأنها أن تتيح لها الاستفادة من الفرص التجارية والاضطلاع بدور صانع السلام، مثلما تفعل في سوريا. أما الصراع المفتوح بالوكالة مع تركيا فلا يخدم المصالح الروسية.
على نفس المنوال، لا تنخرط روسيا على وجه الخصوص في النزاعات الدائرة حول قبرص. فالوضع الراهن يناسب موسكو كثيرا. لقد تعكرت العلاقات بين تركيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، مما يزيد من اعتماد أردوغان على أصدقائه الجدد في موسكو. إعادة توحيد الجزيرة، التي قد تنطوي على وجود الناتو ضامنا لأمنها، لا تلوح في الأفق. ولا تزال الصراعات تحول دون وصول غاز شرق المتوسط إلى الأسواق الأوروبية ومنافسة الشحنات الروسية التي تصل إليها عبر خطوط الأنابيب.
على الرغم من تعزز وضع روسيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق المتوسط، إلا أنها تفتقر إلى الوسائل والإرادة اللازمة لتكون شرطي المنطقة. أهدافها أقل من ذلك بكثير، ومعظمها قابل للتحقيق. في تلك المنطقة المضطربة، يستفيد الروس من وجود روابط لهم مع الجميع تقريبا.
ويتجه أردوغان لإثبات هذه النقطة مرة أخرى، فإذا تعرقلت تكتيكاته القائمة على استعراض العضلات، فيمكنه دائما أن يتجه إلى بوتين للحصول على المساعدة. وحينها، سيدخل الرئيس الروسي الساحة بصفته صاحب نفوذ وصانع صفقات. وقد أجرى الزعيمان اتصالين هاتفيين بشأن ليبيا يومي السابع عشر والحادي عشر من شهر ديسمبر الجاري.
إن العمل مع روسيا هو أفضل خيار أمام تركيا لتجنب التطويق والمحاصرة.