مراجعة للباب الثالث لمسودة الدستور الليبي (نظام الحكم)
ابراهيم هيبة
هذه المراجعة طويلة بعض الشيء ولكنها في غاية الأهمية آمل أن هذه المراجعة ستجعلك تفكر وتقرأ مسودة الدستور المقترحة من لجنة إعداد الدستور بشكل وذهنية مختلفة.
هذه المراجعة ستركز على الباب الثالث المتعلق بنظام الحكم وإن شاء الله سأحاول في مراجعات لاحقة التطرق بشيء من التفصيل للأبواب الأخرى التي تحتوي من الكوارث والأخطاء الكثيرة التي من شأنها الإضرار بليبيا شعبا ودولة….. في الحقيقة عند قراءتي لمسودة الدستور أصبت بالدهشة المتبوعة بالإحباط الشديد لما وجدته في هذه المسودة من مستوى متدنٍ وعدم اتساق وقلة خبرة وضياع للمنهجية وغياب فلسفة واضحة نابعة من وحدة الهدف الذي يجب أن يكون منبعه وطني بامتياز ناهيك عن انعدام الخبرة أو حتى الاستشارة أو الاستعانة بالخبرات التي حبى الله بها ليبيا…. يؤسفني أن أقول إن مسودة الدستور المقدمة من لجنة إعداد الدستور والتي تم التصويت عليها بموافقة 43 صوتا لا ترقى لأن تكون دستورا أو حتى مسودة أولية لكتابة دستور دائم لليبيا لأنها لا تخدم مصلحة الليبيين العليا ولا تلبي أمال وطموحات الشعب الليبي وهي مسودة مضللة ستعكس واقعا مختلفا عن ما يتصوره الكثيرون من أبناء الشعب الليبي …. بل إن هذه المسودة ستقود إلى دسترة الأزمات السياسية الموجودة اليوم على الساحة الليبية وستقود إلى مزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني والاقتصادي وليس كما يتصور البعض أنها ستقود إلى واقع مغاير أو مختلف ….. الواقع الذي سيكون نتاج هذا الدستور المقترح سيكون كارثيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وعلينا الحذر وعدم دسترة الأزمات السياسية والمشاكل الأمنية…. من الواضح جدا أن أعضاء اللجنة لم يشتغلوا كفريق واحد ولم تكن لديهم رؤية أو أهداف نابعة من رؤية وطنية واحدة أساسها وطني ومصلحة الشعب الليبي هي الأساس وفوق كل الاعتبارات …. كما أنه من الواضح جدا أن الخبرة والتخصص معدومان والمحركات كلها كانت محركات جهوية ومناطقية وطائفية وحتى أيديولوجية ولم تكن مصلحة الشعب الليبي حاضرة بالمطلق في سطور مسودة الدستور وروحها …. وبدا واضحا أن كتاب هذه المسودة كانوا وكأنهم في حلبة صراع وكلا منهم يسعى إلى الظفر بالفوز على حساب الآخر وبأي وسيلة وبعيدا عن كل أخلاق أو قيم.
باعتباري متخصصا في السياسات المقارنة وبالأخص في تصميم النظم السياسية وبناء الدول وهدمها سأحاول وبكل تجرد وموضوعية يشهد الله عليها تبيان وتفصيل الأسس والخلفيات التي على أساسها تم تصميم النظام السياسي في هذه المسودة وإيضاح مكامن الخطر ومحاولة تحديد شكل النظام السياسي الذي كان يجب أن ترسم معالمه في مسودة الدستور المقترح من لجنة إعداد الدستور …
أولا: الأسس والخلفيات التي على أساسها تم تصميم النظام السياسي:
من الواضح جدا أن أعضاء لجنة الدستور انقسموا إلى ثلاثة أقسام رئيسية لكل قسم محركات وأهداف وأولويات مختلفة عن الفريق الآخر…. المجموعة الأولي: يمكن أن يطلق عليها بالتيار المتشبث بالمركزية أو التيار الذي يحاول أن يصمم نظاما سياسيا تستأثر فيه دوائره الانتخابية بالقدر الأكبر من السلطة التشريعية والتنفيذية تحت ذريعة أنه يمثل الكثافة السكانية وبالتالي يرى هذا التيار أو المجموعة أن من حقه الاستئثار بالقدر الأكبر من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية…. ويمكن القول إن هذا التيار أو المجموعة تسعى إلى مركزة السلطة وتصميم نظام سياسي معالمه مركزية ….. المجموعة الثانية: وهي ما يمكن وصفها بأنها المجموعة التي ترغب في تصميم نظام سياسي غير مركزي السلطة أو نظام فدرالي أو نظام سياسي تتوزع فيه السلطة أفقيا أو نظام سياسي تتمكن فيه الأطراف من الحصول على قدر من السلطة موازيا للمناطق الأكثر كثافة سكانية وخلق توازن في توزيع السلطة بين الأقاليم الثلاثة فزان برقة طرابلس …. وفلسفة هذه المجموعة هو أن الكثافة السكانية وحدها لا يمكن أن تكون مقياسا لتوزيع السلطة بل يجب الأخذ في الاعتبار اعتبارات أخرى كالمساحة الجغرافية والمساهمة في الإنتاج القومي والثروات والتوزيع غير المتزن للسكان في ليبيا مع كبر المساحة وتباعد المناطق عن بعضها البعض وخصوصا التباعد بين الأطراف والمراكز والتباعد بين المناطق في مستوى التنمية ….. وبالتالي من أجل ضمان الحصول على قدر عادل من التنمية المكانية والمشاركة الفاعلة في السلطة لابد من الأخذ في الاعتبار كل الاعتبارات السابقة وتوزيع السلطة أفقيا بدلا من رأسيا وخلق توازن في توزيع السلطة بين الأقاليم الثلاث طرابلس برقة فزان…. المجموعة الثالثة: تمثل مجموعة وجدت في الصراع الحاد بين المجموعة الأولى والثانية فرصة تاريخية لضمان قدر من السلطة الدائمة لممثليها وذلك بدفع الطرفين إلى تبني نظام ديمقراطية التوافق الذي يعطي ضمانات للحصول علي قدر من السلطة الدائم “نظام الكوتات ” هذه المجموعة يمثلها ما سمي بالمكونات أو الأقليات العرقية …. وفلسفة هذه المجموعة نابعة من قناعة أنه من أجل ضمان المشاركة في السلطة وعدم الإقصاء وضمان تجنيس أعداد كبيرة من الأفارقة من ذوي جلدات تلك المكونات أو أبناء عمومتهم ممن قدم من مالي والنيجر وتشاد والسودان لابد من الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية من أجل العمل في ضل هذا الانقسام بين المجموعة الأولى والثانية على دفع الأطراف إلى تبني نظام ديمقراطية التوافق وخلق نظام الكوتات وإيجاد آليات التعطيل داخل العمل التشريعي والعمل التنفيذي من أجل تنفيذ أجنداتهم وهذا للأسف ما حدث بالفعل…..
ثانيا: معالم النظام السياسي:
من خلال هذا الصراع توصلت هذه الأطراف الثلاث إلى هذه الصيغة بحيث يتم اعتماد النظام المختلط حيث تم تولي السلطة التشريعية جسمين سياسيين هما مجلس الشيوخ ومجلس البرلمان وتم تولي السلطة التنفيذية رئيس للدولة ورئيس للوزراء يعين من قبل الرئيس ….. استطاع المركزان من خلال هذا النظام الظفر بمجلس النواب الذي يضمن تفوقا عدديا للمقاعد النيابية وبالتالي من واقع جهوي استطاعت هذه المجموعة مركزة السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب كما استطاعت أيضا هذه المجموعة الظفر بتفوقها عدديا بمجلس الشيوخ وكذلك ضمان أن يكون رئيس الدولة ورئيس الوزراء من دوائر تلك المجموعة الانتخابية وفق فرضية التفوق العددي للسكان…. بالنسبة للمجموعة الثانية التي وصفتها بأنها من أنصار توزيع السلطة أو باللامركزيين فقد اعتقدت أن الضمانات التي تحصلت عليها في مجلس الشيوخ وضمان آليات التعطيل داخل مجلس الشيوخ ومجلس النواب سيعطي ضمانات مهمة وسيقود إلى الدفع نحو الحصول على الحقوق والتنمية والمشاركة الفاعلة في السلطة …. كما اعتقدت بشكل خاطئ هذه المجموعة أن دفع لجنة الانتخابات نحو تبني نظام انتخابي أساسه التمثيل النسبي سيعزز فرص أن يكون رئيس الدولة من مناطقها أو دوائرها الانتخابية وسيعزز فرص نفوذها في مجلس النواب ومجلس الشيوخ ولكن هذا التقدير أيضا هو غير دقيق وغير صحيح ….. بالنسبة للمجموعة الثالثة والتي تمثلها الأقليات والتي في تصوري ظفرت بالقدر الأكبر من أطماعها وأهدافها تعتقد أن ضمان الحصول على مقاعد في مجلس الشيوخ ومجلس النواب والاعتراف بها بشكل دستوري يعد نجاحا كبيرا وبالتالي كانت المسودة ملبية بشكل كبير لمطالب هذه المجموعة وخطوة أولى لتنفيذ أجندتها السياسية في ليبيا.
ثالثا الحقيقة ومكامن الخطر في النظام السياسي في هذه المسودة:
عند تصميم النظم السياسية تؤخذ في الاعتبار العديد من الاعتبارات والتي من الصعب جدا حصرها في هذه المقالة أو المراجعة لأن الموضوع معقد وقد يصعب على القارئ العادي فهمها واستيعابها لأنها أمور تخصصية ولكني هنا أجدني مضطرا إلى شرح بعضها بشكل مختصر لعل الله يوفقني في إيصال ما هو مهم ومتعلق بما يجب أخذه في الاعتبار عند تصميم النظام السياسي الليبي في مسودة الدستور…. في الحقيقة إذا كان الهدف من كتابة الدستور هو تصميم نظام سياسي قوي على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي ومستقل وسريع الإنجاز والحركة ويتمتع بسرعة في إنجاز المشاريع ومعالجة الاختناقات وتسريع إعادة البناء الوظيفي والتشريعي والتنفيذي ومعالجة الأزمات والمشاكل الأمنية فإنه يجب أن يأخذ في الاعتبار درجة التوافقية بين هياكل النظام السياسي وداخل هيكل كل مؤسسة سياسية وبين المؤسسات السياسية في الاعتبار …. هناك درجات مختلفة للتوافق بين هياكل النظام السياسي وداخل هيكل كل مؤسسة سياسية وبين المؤسسات السياسية وأي خلل يحدث في مساحة التوافق سواء كان بالزيادة أو النقصان تكون له نتائج وخيمة وكبيرة ومضرة جدا للدولة بجوانبها أو مكوناتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمجتمع بشكل عام وهذا ما نسميه “بنظام ديمقراطية التوافق”المعادلة كالتالي كلما زادت درجة التوافقية عن حدها بين هياكل النظام السياسي وداخل هيكل كل مؤسسة سياسية وبين المؤسسات السياسية أي أن متطلبات التوافق عالية من أجل المضي قدما لإصدار تشريع أو إصدار قانون أو تنفيذ مشروع أو أي إجراءات تشريعية أو تنفيذية كلما قاد ذلك إلى تعطيل العمل التشريعي وتعطيل العمل التنفيذي وقاد إلى جمود وشلل في العمل التشريعي وفي العمل التنفيذي …. ذلك يعني تكريس عملية التعطيل وتكريس الجمود وعدم القدرة على الحركة وخلق نظام سياسي مشلول غير قادر على الحركة ” …. الاختلاف هي سنة كونية والإجماع أو التوافق أمر صعب جدا حتى داخل العائلة الواحدة بل قد يكون أحيانا مستحيلا في بعض القضايا ولذلك كل دول العالم المتقدمة تجاوزت إشكالية التوافق بجعلها نسبية بتبني وتصميم نظام سياسي يركن في معالمه إلى حكم الأغلبية وبما يضمن للأغلبية أن تحكم وبما يضمن للأقلية أن تعارض وذلك بتقليص آليات التعطيل والجمود من أجل المضي قدما في تحقيق رغبات الشعب وتطلعاته بخلق نظام سياسي قوي غير معطل يلبي احتياجات شعبه وتطلعاته بشكل عادل …. وفي المقابل إذا أردنا أن نصمم نظاما سياسيا غير جامد سريع الحركة كثير الإنجاز قادرا على معالجة الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية ملبيا لطموحات وآمال الشعب يحفظ للشعب سيادته وكرامته ويعزز قوة الدولة داخليا وإقليميا ودوليا قليل الفساد السياسي والإداري والاقتصادي غير مرهون السيادة فعلينا بخفض درجة التوافق وذلك بتقليص آليات التعطيل وهذا ما نسميه في العلوم السياسية “بنظام حكم الأغلبية أو نظام ديمقراطية الأغلبية ” المعادلة هنا كالتالي ” كلما خفضت درجة التوافقية بين هياكل النظام السياسي وداخل هيكل كل مؤسسة سياسية وبين المؤسسات السياسية كلما سهل العمل التشريعي والعمل التنفيذي وخلق دولة غير مشلولة وغير عاجزة وسريعة الإنجاز والحركة وغير مرهونة السيادة وقوية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.” من خلال اطلاعي على الفصل الثالث المتعلق بالنظام السياسي ونتيجة الصراع والاختلاف الحاد بين المجموعات الثلاث للأسف تم تبني درجة عالية جدا من ديمقراطية التوافق خلق مستويات مختلفة من آليات التعطيل للعمل التشريعي والعمل التنفيذي في صميم وروح تصميم النظام السياسي في هذه المسودة…. نتيجة تصميم كل طرف على الظفر بقدر كبير من السلطة لجأت الثلاث مجموعات إلى تبني نظام سياسي روحه درجة عالية من درجات ديمقراطية التوافق وهذا سيقود إلى دسترة الأزمات السياسية والأمنية التي يعيشها الشعب الليبي اليوم وخلق دولة مشلولة غير قادرة على الحركة والإنجاز دولة ضعيفة على المستوى المحلي وعلى المستوى الإقليمي والعالمي دولة مرهونة السيادة مستشر فيها الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. سيخلق هذا الدستور دولة ووضعا سياسيا وأمنيا متأزما ومدسترا بحيث لا يمكن حل المشاكل ومعالجتها وما يمكن حصوله في أحسن الظروف هو إيجاد بعض المسكنات التي ما تلبث أن ينتهي مفعولها لنعود إلى السيرة الأولى وبالتالي دسترة الأزمات السياسية والأمنية والأزمات الاقتصادية سيكون عنوان النظام السياسي المقترح في هذا الدستور.
رابعا مخاطر مسودة الدستور المقترحة كدستور دائم لليبيا:
بالاطلاع علي المواد (73) (74) (75)(78)(79)(80)(81)(82)(92)(95)(97)(100)(104)(105)(106)(107)(108)(109)(110)(115)(117) من الواضح جدا أن آليات التعطيل كثيرة ومتداخلة وستقود هذه الآليات التي رسمها كتاب مسودة الدستور المصوت عليها من لجنة الدستور إلى نظام سياسي مشلول الحركة ضعيف غير قادر على الإنجاز…. هناك في تصوري على أقل تقدير سبعة مخاطر حقيقية يجب الانتباه إليها وأخذها في الاعتبار عند تعديل هذه المسودة…..
الخطر الأول: متعلق بالجانب التشريعي …. بسبب تبني درجة عالية من التوافقية داخل مجلس النواب ومجلس الشيوخ وبين مجلس النواب ومجلس الشيوخ وبين مجلس النواب ورئاسة الجمهورية وبين مجلس الشيوخ ورئاسة الجمهورية وبين مجلس النواب ورئاسة الوزراء وبين مجلس الشيوخ ورئاسة الوزراء وبين مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية وبين مجلس الشورى ورئاسة الوزراء فإن شللا في عمل السلطة التشريعية سيكون أمرا حتميا وسيقود التداخل في السلطات وبسبب ارتفاع درجة التوافقية ووجود آليات التعطيل على مستويات مختلفة إلى تعطيل وشلل في العمل التشريعي وسيقود ذلك إلى خلق أزمات سياسية وأمنية وصراعات سياسية وأمنية ومناطقية .
الخطر الثاني: متعلق بالجانب التنفيذي أو السلطة التنفيذية …. هذا الجانب لا يختلف كثيرا عن الجانب التشريعي بسبب تبني درجة عالية من التوافقية داخل مجلس النواب ومجلس الشيوخ وبين مجلس النواب ومجلس الشيوخ وبين مجلس النواب ورئاسة الجمهورية وبين مجلس الشيوخ ورئاسة الجمهورية وبين مجلس النواب ورئاسة الوزراء وبين مجلس الشيوخ ورئاسة الوزراء وبين مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية وبين مجلس الشورى ورئاسة الوزراء فإن شللا في عمل السلطة التنفيذية سيكون أمرا حتميا وسيقود التداخل بين السلطات وبسبب ارتفاع درجة التوافقية ووجود آليات التعطيل إلى تعطيل وشلل في العمل التنفيذي وقد يقود في ظل ظروف معينة إلى سطوة السلطة التنفيذية علي السلطة التشريعية أو إلى تعطيل الدولة والعمل التشريعي والعمل التنفيذي.
الخطر الثالث: متعلق بالاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي…. في الحقيقة أن تبني درجة عالية من ديمقراطية التوافق ستقود إلى دولة معطلة ونتيجة هذا التعطيل الذي حاولت الاستفاضة في شرح ظروفه وآلياته في هذه المقالة سيقود هذا النظام السياسي المبني على أساس ديمقراطية التوافق إلى نظام سياسي غير مستقر وغير متزن سماته هو الصراع لا التعاون على المستوى الداخلي …. أما على المستوى الخارجي سيقود تبني هذا النظام السياسي الذي أساسه درجة عالية من ديمقراطية التوافق إلى خلق نظام سياسي ضعيف إقليميا ودوليا مرهون السيادة مخترق لأن الأطراف السياسية ستجد في الاستقراء بالأطراف أو الدول والكيانات الإقليمية والدولية ملجأ لتقوية أنفسها محليا وبالتالي ستلجأ الأطراف السياسية إلى خلق التحالفات والاصطفافات الإقليمية والدولية من أجل ضمان البقاء في السلطة أو ضمان مستقبلها السياسي والاقتصادي وهذا سيكون على حساب الشعب الليبي ومصالحة الداخلية والإقليمية والدولية ….. من جانب آخر على المستوى المحلي لا يمكن لهذا النظام السياسي أن يعمل بشكل جزئي إلا في إطار انتشار الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ….. لأن أي تشريع أو قرار سياسي تنفيذي أو تشريعي لا يمكن أن يأخذ مصلحة الشعب الليبي في الاعتبار بقدر ما سيأخذ المحاصصات والاصطفافات الحزبية والجهوية والمناطقية والإقليمية والدولية في الاعتبار على حساب الشعب الليبي ومصالحه العليا ….. من جانب آخر على المستوى الدولي لا يمكن لهذا النظام السياسي المبني على أساس ديمقراطية التوافق أن يعمل بشكل جزئي بدون ضغوط واتفاقات بين الاصطفافات الاقليمية والدولية وبالتالي فإن الأطراف السياسية ستكون مرهونة بشكل كامل إلى ما يمليه عليها حلفاؤها ووكلاؤها واصطفافاتها وداعموها الإقليميون والدوليون …… من جانب آخر سيكون الفساد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي هما المعالم الرئيسية والمحركات الأساسية التي تحرك هذا النظام على كل المستويات.
الخطر الرابع: متعلق بالتحول الديمقراطي…. أثبتت الدراسات السياسية الحديثة في الولايات المتحدة الأمريكية المتعلقة بالتحول الديمقراطي أن تبني النظام المختلط وهو للأسف ذات النظام الذي رسمت معالمه في مسودة الدستور يقود بنسبة 77% إلى العودة إلى المربع الأول مربع الديكتاتورية ….. هذا النظام الذي في أساسه مبني على آليات التعطيل يقود في كثير من الأحيان إلى تمكن السلطة التنفيذية أو الجيش أو القوى العسكرية من الهيمنة على السلطة تحت ذريعة أن النظام السياسي فاشل ومعطل وغير قادر على الإنجاز والعمل وقد يحدث ذلك تحت ضغط ومطالب شعبية أو ظروف إقليمية أو دولية وقد حدث ذلك لدول كثيرة مرة بظروف مثل تلك الظروف التي تمر بها ليبيا بنسبة 77% وبالتالي إن كانت كل تلك التضحيات التي قدمها الشعب الليبي أساسها هو بناء نظام سياسي ديمقراطي عادل أساسه القانون والعدالة فإن تبني النظام السياسي الذي رسمت معالمه في هذه المسودة سيضرب بعرض الحائط كل تضحيات الشعب الليبي وآماله وطموحاته وآن احتمالية عودة الدولة الليبية إلى مربع الديكتاتورية هي احتمالية كبيرة جدا وخصوصا في ظل هذا التصحر السياسي والثقافي النخبوي …. بل إن احتمالية فناء الدولة الليبية قائم وبشكل كبير.
الخطر الخامس: متعلق بمشكلة المركزية….. هذه المسودة هي تكريس للمركزية ولن تقود إلى لامركزية السلطة أو اتخاذ القرار وكل ما كتب في فصول هذا الدستور حول تبني النظام اللامركزي الإداري ما هو إلا غش وضحك على الذقون فلا يمكن ضمان اللامزكزية الإدارية والسياسية بدون ضمان مشاركة فاعلة في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وبالتالي التعويل على هذا الدستور على أنه دستور سيعزز اللامركزية ليس إلا محض غش وافتراء ووهم يحاول تسويقه الواهمون أو المخدوعون والمخادعون.
الحظر السادس: متعلق بمشكلة الأقليات أو ما سمي بالمكونات في الدستور المقترح….. في الحقيقة هناك غموض كبير حول هذه التسميات….. تجدر الإشارة هنا أولا إلى أن هذه التسميات والتقسيمات هي غريبة على المجتمع الليبي ولم تكن موجودة في تاريخ الدولة الليبية الحديثة لأكثر من 60 سنة على أقل تقدير ….. في هذه المسودة يبدو لي واضحا أن المقصود بالأقليات أو المكونات هم إخوتنا الجبالية ” الأمازيغ كما يحب البعض أن يناديهم” والإخوة الطوارق والإخوة التبو ولكن إذا اتفقنا على أن هؤلاء أقليات أو مكونات فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل يوجد في ليبيا فقط ثلاثة مكونات ماذا عن الإخوة من أصول إغريقية وماذا عن الإخوة من أصول شركسية وماذا عن الإخوة من أصول كرغلية وماذا عن الإخوة من أصول أفريقية أو ذوي البشرة السمراء وهم يشكلون حوالي 35%من سكان ليبيا وماذا عن اليهود من أصول ليبية وماذا عن المجابرة وماذا عن المرأة وماذا عن العائدين من المهجر كالعائدين من النيجر وتشاد ومصر وتونس..؟ وغيرهم في تصوري أن هناك عدم وضوح وغموض كبيرين في هذه المسودة حول تحديد هوية المكونات وهل توجد في الأساس ضرورة لتقسيم الشعب الليبي إلى ألوان مختلفة….. من جانب آخر هل حقا هذه المكونات أو ما يطلق عليها بالمكونات أو الأقلية هويات تميزها عن بقية الليبيين وهل بالأخذ بنظام ديمقراطية التوافق ونظام الكوتات ورسم آليات التعطيل ستتحصل هذه المكونات أو الأقليات على ما يرضيها ويشبع رغبات أبنائها ….. في تصوري أن تبني نظام ديمقراطية التوافق يضر ضررا كبيرا بتلك الأقليات بدل أن ينفعها ….. فهذه المكونات أو الأقليات هي جزء من نسيج الشعب الليبي وتميز نفسها وإعطاء نفسها ألوانا مختلفة سيقود إلى عزلتها مجتمعيا وسياسيا ولن يقود هذا الدستور إلى تلبية آمال وطموح أبناء تلك الأقليات….. من جانب آخر من الواضح جدا أن الغرض من وضع هذا الدستور ودسترة حقوق خاصة للأقليات هو ليس ضمان الحقوق ولكن كما يبدو واضحا من الدستور هو العمل أو فتح المجال إلى تجنيس الأفارقة من قبيلة التبو والطوارق القادمين من مالي والنيجر وتشاد والسودان في ليبيا والذين يبلغ عددهم بالآلاف وفرضهم بقوة الدستور والسلطة على الليبيين وبالتالي رسم هذا الدستور بهذه المعالم والمطالب ما هو إلا تكتيك أولي لخطة أكبر تهدف إلى توطين الأفارقة في ليبيا وهو مشروع مدعوم من قبل بعض الدول الأوروبية منذ زمن.
الخطر السابع : هو خطر الاستقرار الأمني وتفتت وانقسام الدولة الليبية …. في تصوري أن تبني نظام ديمقراطية التوافق وتبني آليات التعطيل كما هو مرسوم ومصمم في هذا الدستور سيقود حتما إلى مزيد من الصراع الأمني وتعزيز الانقسام وقد يقود إلى تقسيم البلاد فعليا ….. فتعثر العمل التشريعي والتنفيذي سيقود وسيدفع أطرافا سياسية واجتماعية إلى البحث عن البديل وهذا البديل قد يكون مزيدا من الصراع الأمني والتقسيم الفعلي للبلاد …. من جانب آخر عدم رضى الأطراف السياسية والاجتماعية عن الإنجاز أو المشاركة والمحاصصة سيقود حتما إلى الصراع وتعزيز نبرة الانقسام وتشجيعه وقد يكون ذلك مآلا نهائيا تؤول إليه الأمور تحت ظروف داخلية أو إقليمية أو دولية وبذلك علينا الحظر.
خامسا شكل ومعالم النظام السياسي الذي يخدم مصلحة الشعب الليبي العليا ويلبي تطلعاته وأحلامه: في تصوري من خلال اطلاعي على هذه المسودة ومن خلال معرفتي العميقة بتراث الشعب الليبي وثقافته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتقسيماته وتوزيعه الجغرافي ومشاركتي له كأحد أبنائه همومه وتطلعاته وبكل تجرد وموضوعية وبعيدا عن الجهوية أو أي خلفيات ملوثة في تصوري أن تبني أو التمسك بالنظام البرلماني بغرفة واحدة هو الحل مع توزيع المقاعد النيابية بشكل أفقي بما يضمن خلق نوع من التوازن بين المناطق الأكثر كثافة سكانية بالمناطق الأقل كثافة سكانية الذي سيضمن لليبيا مستقبلا نظاما سياسيا ديمقراطيا قويا ومستقرا داخليا وإقليميا ودوليا….. السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا النظام البرلماني وما هي معالم النظام البرلماني الذي أعتقد أنه يحل كل المشاكل السياسية والأمنية والاقتصادية إن شاء الله سأتطرق بشيء من التفصيل إلى ملامح النظام البرلماني الذي يلبي احتياجات وتطلعات الشعب الليبي ويحل كافة المشاكل السياسية والأمنية التي تعاني منها ليبيا ….. موقفي من شكل النظام السياسي في مسودة الدستور المعيبة النابع من أسس علمية ونتاج دراسات علمية إحصائية هو أن النظام البرلماني هو الأفضل لليبيا في هذه المرحلة … ولكن لا أرى ضررا من كون هناك رئيس دولة شرفي ينتخب من قبل البرلمان له صلاحيات شرفية محدودة كالرئيس الكندي أو الرئيس الإسرائيلي أو الرئيس الألماني…. هذا سيخدم وسيعزز فرص التحول الديمقراطي والاستقرار إذا حددت صلاحيات الرئيس بشكل جيد بحيث يجب أن لا تكون صلاحيات تنفيذية أو تشريعية ولكن يبقى رمزا للدولة ورمزا للوحدة الوطنية وحامي التحول الديمقراطي وراعيا له….. لا يوجد ارتباط بين تبني النظام الرئاسي أو النظام المختلط والاستقرار أو استعادة الاستقرار….. يوجد ارتباط مباشر بين تبني النظام الرئاسي أو المختلط وعودة حكم الفرد في مرحلة التحول الديمقراطي…..يوجد ارتباط مباشر بين تفعيل الجيش والشرطة والقضاء وإعادة الأمن والاستقرار…… يوجد ارتباط مباشر بين تبني النظام البرلماني ونجاح التحول الديمقراطي وحتى بوجود رئيس دولة شرفي في مرحلة التحول الديمقراطي …..الفشل الذي حدث في المرحلة السابقة لم يكن بسبب تبني النظام البرلماني ولكن الفشل كان بسبب غياب تام لأجهزة الجيش والشرطة وعدم تفعيل القضاء وعدم وجود أحزاب سياسية وبسبب تبني نظام انتخابي معيب هو نظام التمثيل النسبي الذي أتى بالمتطرفين الجهويين والقبليين والثورجيين والدينيين وغيرهم ….. وأيضا بسبب الانقسام السياسي خصوصا بعد انتخاب البرلمان ورفض المؤتمر للمخرجات الانتخابية …. ومن الملاحظ أن التدهور الأمني حدث بشكل كبير جدا بعد انتخاب البرلمان وتعزيز الانقسام السياسي وإدارة الدولة من حكومات مختلفة وأطراف سياسية مختلفة ولم يكن بسبب تبني النظام البرلماني…. ناهيك عن أن تبني النظام المختلط أو الرئاسي سيتسبب بمشاكل أخرى كبيرة جدا لها علاقة بالمواطنة ومركزية السلطة التنفيذية وتضارب الشرعيات المنتخبة بين الأجهزة التشريعية ومؤسسة الرئاسة ناهيك عن أن حداثة التجربة الديمقراطية وتعزيز فرص نجاحها سيكون على المحك لأن غياب الإرث الديمقراطي في ليبيا سيقود إلى وصول فرد إلى سدة الرئاسة وسيستطيع الاستفراد بالسلطة واستعمال نفوذه وسلطاته المدنية والمالية والعسكرية لتثبيت حكمه واستفراده بالسلطة ولعل رفض كل من تم انتخابه في الفترة السابقة للتداول السلمي على السلطة وتشبثه بمنصبه أكبر دليل على عدم نضوج وترسخ الإرث الديمقراطي وبالتالي إفساح المجال أمام فرد للوصول إلى سدة الرئاسة يعني اتوماتيكيا عودة حكم الفرد….. بالإضافة إلى عدم وجود يقين حول ماهية الفرد الذي سيصل إلى سدة الرئاسة ماذا لو وصل شخص متطرف دينيا أو قبليا أو جهويا أو أيديولوجيا أو سمي ما تشاء من عناوين التطرف كيف سيمكن تغييره!!! ….. ناهيك عن أن تبني نظام رئاسي أو نظام مختلط سيقود إلى خلق انقسام مجتمعي وسياسي وتعزيز الانقسام وتقسيم الدولة والمجتمع لأن الرئيس ورئيس الوزراء واغلب المسؤولين وفق المسودة سيكونون من إقليم طرابلس دائما وبشكل دستوري بسبب عدم الاتزان في توزيع السكان في ليبيا وبالتالي فالرئيس والسلطة التنفيذية بشكل عام لا تمثل فزان ولا برقة وسيقود ذلك إلى تعزيز الانقسام وتعزيز نعرات الانقسام والتشرذم والمطالبات الانفصالية وهذا سيقود إلى حالة من السخط العام الناتج عن الحرمان السياسي ولنا في دول كثيرة تجربة….. الدستور هو الأمل الذي يجب أن نعول عليه ….. ولكن هذه المسودة ستقود إلى مزيد من الفوضى ومزيد من التدهور والانقسام وفي أحسن الظروف ستقود هذه المسودة إلى عودة حكم الفرد وأعتقد أن هذا ما يسعى إليه أعضاء هيئة إعداد الدستور اعتقادا منهم أن ذلك ينهي الفوضى …. ولكن الاحتمالية الأكبر هي مزيد من الفوضى والانقسام واستحالة إعادة توحيد البلاد وإعادة الاستقرار وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء….. وهذا ما لا يدركه الإخوة القانونيون في هيئة إعداد الدستور….. كل هذه الإشكاليات لا يمكن علاجها إلا بتبني النظام البرلماني أو نظام برلماني مع وجود رئيس منتخب من قبل البرلمان ذي صلاحيات شرفية محدودة ومحددة بشكل دستوري…. مصلحة البلاد الوطنية العليا تتطلب تعديل هذه المسودة أو أن يقوم البرلمان بإنهاء أعمال هذه الهيئة وتعيين هيئة فنية لتعديل مسودة الدستور بما يخدم مصلحة الشعب الليبي العليا ويضمن وحدة البلاد وإعادة الاستقرار لأن هذه المسودة اعتمدت مركزية السلطة التنفيذية ومركزية السلطة التشريعية وتبنت آليات التعطيل في روح المسودة وتعزيز فرص العودة إلى حكم الفرد…. النظام الرئاسي والنظام المختلط يعزز فكرة الأبوية والسلطوية ولا يساعد على خلق إرث ديمقراطي مجتمعي ولا نخبوي ويفشل في أغلب الأحيان بفرص نجاح التحول الديمقراطي في مرحلة التحول الديمقراطي ” المراحل ما بعد الثورات والحروب وتغيير الأنظمة” ….. بينما النظام البرلماني يخلق إرثا ديمقراطيا مجتمعيا ونخبويا ويعزز ثقافة الديمقراطية في المجتمع وبين النخب ويعزز فرص نجاح التحول الديمقراطي في مراحل التحول الديمقراطي ” المراحل ما بعد الثورات والحروب وتغيير الأنظمة”.
صوت ( لا لا لا) لمسودة الدستور إن طرحت إلى الاستفتاء بصيغتها الحالية وأدعو مجلس النواب إلى حل لجنة الدستور والإعلان عن انتهاء عملها وإعداد لجنة فنية من الخبراء والعلماء وهم كثر لمراجعة هذه المسودة وتنقيحها وتعديلها بما يخدم مصلحة الشعب الليبي وأعلن عن استعدادي للعمل مجانا في المساعدة في كتابة وإعادة تنقيح الدستور الليبي.