مخطط غوركا لتقسيم ليبيا
د جبريل العبيدي
تسريبات صحيفة «الغارديان»، في عددها الصادر يوم 10 من هذا الشهر، بشأن المشروع غير المنطقي الذي اقترحه سباستيان غوركا، نائب ترمب، وتقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات، لا يمكن قراءته بمعزل عن التوقيت والمصدر ورؤية مالك 80 في المائة من أسهم صحيفة «الغارديان»، فتوقيت التسريب يتزامن مع تعنت الأطراف السياسية بليبيا في الوصول إلى توافق حقيقي، وليس صورياً، ويعد الكشف عن مخطط غوركا للتقسيم بمثابة ورقة ضغط على الأطراف السياسية، ولا يخرج عن أنه مجرد بالون اختبار وكشف نيات، بل وابتزاز رخيص، خصوصاً أن عوامل ومقومات التقسيم غير متوفرة في ليبيا ولا يرضاها 99% من الليبيين… فليبيا بلد سكانه 100 في المائة من المسلمين السنّة، وليست به طوائف أو إثنيات تتمركز في إقليم جغرافي قابل للتحول إلى دولة مستقلة، ولهذا يعد أي مخطط لتقسيم ليبيا مشروعاً فاشلاً، وغير ناضج، لفقدانه أي مقومات أو عوامل يمكن أن تكون نواة تقسيم، حتى الحرب والفوضى القائمة في ليبيا الآن لا يمكن الركون إليها ذريعةً لتقسيم ليبيا، لأنها ليست حرباً أهلية بالمفهوم الحقيقي، بل هي حرب على الإرهاب؛ وعلى أولئك الذين يريدون الهيمنة على ليبيا برفع راية الإسلام السياسي.
«الغارديان» ذكرت أن «غوركا يسعى للحصول على منصب مبعوث ترمب الخاص إلى ليبيا، في محاولة لتطبيق الخطة المقترحة بتقسيم البلاد إلى 3 دويلات صغيرة». وتعتمد خطة غوركا للتقسيم على خريطة الولايات العثمانية القديمة.
تقرير «الغارديان» عن مشروع اليميني المتطرف سباستيان غوركا، الذي أساء للإسلام بعبارات نابية، كان مجرد حوار بينه ومسؤول إيطالي، في لقاء خاص بمقهى عام، قبل تنصيب ترمب رئيساً للولايات المتحدة، وبالتالي هو لا يحمل أي مشروع أو مخطط حقيقي، سوى أنه كان بالون اختبار من «مرشح»؛ وأكرر «مرشح»، لمنصب في إدارة ترمب، وليس مسؤولاً، بل كان الحديث قبل تنصيب ترمب نفسه.
ليبيا موجودة كواقع جيوسياسي منذ أكثر من مائة عام، فالتعاطي مع واقع خريطة «سايكس – بيكو» في الشرق الأوسط، وتقاسم إرث الدولة العثمانية، لا يمكن تغييره دون اللاعب الأساسي؛ أي صاحب الخريطة، بمعنى آخر؛ ليبيا التي حاولت إيطاليا صبغها باللون الإيطالي كشاطئ رابع لها La Quarta Sponda، وحولتها إلى «ليبيا الإيطالية» Libia Italiana، بعد أن استولت المملكة الإيطالية على ولاية طرابلس الغرب من الدولة العثمانية خلال الحرب العثمانية – الإيطالية، وقسمتها إلى إقليمين، هما القورينائية الإيطالية وتريبوليتانا الإيطالية، ثم سمتها «ليبيا الإيطالية»… تضم 3 أقاليم، هي برقة وطرابلس وفزان.
مخطط غوركا ليس بالجديد، بل هو استنساخ وإعادة صياغة لمشروع قديم هو مشروع «بيفن – سفورزا»؛ مشروع الوصاية الذي قدمه وزير خارجية إيطاليا كارلو سفورزا، بالاتفاق مع إرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا، الذي بموجبه تقسم ليبيا إلى 3 أقاليم تحت وصاية دولية، تتولى فيه بريطانيا الوصاية على برقة، وتتولى إيطاليا إدارة طرابلس، وتتولى فرنسا إدارة فزان، وطرح المشروع على الجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو سنة 1949، إلا أن صوت هايتي أسقط المشروع. واليوم يتكرر بتدخل الدول الثلاث، رغم مرور أكثر من 65 عاماً على محاولة تمرير مشروع «بيفن – سفورزا».
تقسيم ليبيا لمجرد فشل حكومي، أو لكون ليبيا هي نتاج اتحاد ثلاثة أقاليم، اعتبره الكاتب الأميركي جاستين ريموندو بمثابة زواج «قسري»، بل ومضى قائلا: «الفكرة القائلة إن ثمة أمة تدعى (ليبيا)، هي التي تشكل المعضلة المركزية لفهمنا لما يجري حالياً في تلك (الدولة) المزوّرة» لا شك أن هذا كلام يعبر عن رؤية عوراء خاطئة، وإلا لجاز لنا المطالبة بتقسيم الولايات المتحدة، لأنها في الأصل مجرد اتحاد أو زواج «قسري» بين ولايات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية