مانكش عادي!
محمد العجمي
نقولها بلغة شبابية، في تعليق كوميدي على حركة طريفة يقوم بها أي من رفاقنا، بأن هذا الفعل يتجاوز الفعل الطريف المعتاد، أو أمام خدمة قضاها أحدهم فأغناك عن تعبها.
أما في الفصحى فتدل كلمة “غير عادي” على شيء فاق في ميزاته أو أسلوبه، المعتاد الدائم الرتيب الذي يمر على الناس مثيله كل يوم.
هذه المقدمة المملة العادية جاءت فقط لمناقشة “عادية الإنسان”، فالفروقات الطبقية والاجتماعية، لطالما فرقت بين الناس، حتى خرج مصطلح “Average Joe” أو الإنسان العادي، الذي تم تداوله في الثلاثينيات، عند بداية اختراع أحجام الملابس المختلفة “كبير، متوسط، صغير” وغيرها من التغييرات التي دخلت على الصناعة عموماً، عندما تضخمت وانتهى التفصيل الشخصي المخصص لكل فرد على حدة.
هذا التعميم، نقل العالم إلى خطوة جديدة، وهي وجود أشخاص مهمين معروفين، رؤساء، نجوم فنيون، نجوم رياضيون، وغيرهم من المشاهير، وشريحة واسعة من الشعوب المختلفة، الذين يتابعونهم بداية من شاشات السينما وصولاً إلى التلفزيون.
مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي في الألفية الثالثة، وربما مهدت لها قبل ذلك منتديات الإنترنت في نهاية تسعينيات القرن الماضي، بدأت تضمحل الفوارق الكبيرة، بين الشخص العادي، وبين المشاهير، ليجمع موقع واحد رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وأبرز رجال الأعمال والسياسيين، والمشاهير باختلاف شرائحهم، ويضعهم في نقاش مباشر مع “المواطن العالمي”.
التطور المتواصل لهذه التقنية، بدأ يتوسع مع تطور الترجمة، التي سمحت لأي شخص الحديث بأي لغة، ليفهم شخص آخر من بلاد بعيدة معظم أفكاره بلا وسيط.
يتسع الحديث حول هذه التجربة الإنسانية الفريدة، وحول التقنيات المختلفة من وسائل التواصل، بدءاً من الفيديو على يوتيوب، مروراً بالصور والقصص اليومية على انستغرام، والنقاشات على فيسبوك، وصولا للبث المباشر الذي بدأت توفره العديد من المنصات وعلى رأسها فيسبوك، والذي بذاته صار يشهد تطوراً مثل الاستضافة وغيرها، جعل أي فرد يتحول إلى محاور، ومذيع وصحفي، ومشهور.
يغير هذا التطور الكبير الوعي لدى الأجيال التي نشأت على سهولة التواصل، ويكسر الرهبة من المسؤولين، والسياسيين، والشخصيات ذات السلطة الاجتماعية، كما لا يعير كبير اهتمام لأي فرد مهما كانت إنجازاته، إن لم يستطع فرض قبوله على المتابع من وراء الشاشات.
ليس ذلك بالشيء الجميل في المطلق، فربما غلبت الأكثرية على رأي غير سديد، لكن أصحاب بعض النظريات مثل نظرية أحد مؤسسي ويكيبيديا جيمي ويلز في “الخير الجماعي”، يرون أن الناس على الانترنت سيقومون بتصحيح الأخطاء التي قد يقترفها البعض في إدخال المعلومات على الموسوعة العالمية، وينعكس ذلك على التحركات الجماعية التي يقوم بها رواد التواصل لإيقاف “التنمر” و”الاستخفاف” الذي قد يقوم به أشخاص على مواقع التواصل.
ليس بعيداً عن الأذهان الكثير من الحوادث التي رافقت هذا التطور القانوني الكبير في منصات التواصل، بداية من محاكمة مؤسس فيسبوك ومديره التنفيذي مارك زوكربيرغ بشأن خصوصية المعلومات، وحديث موظف الأمن القومي الأميركي السابق إدوارد سنودن، حول المعلومات وتسريبها واستعمالها من قبل الحكومة الأميركية.
كل هذا التطور المستمر، والمنظور للعيان، والمتابع لحظة بلحظة، على هذه المنصات نفسها، بالصورة والصوت، مباشرة من قلب أي حدث، لن يترك العالم كما كان قبله، ليبدأ كذلك في تغيير وعي الأفراد، من أشخاص متشابهين، إلى أفراد يبحثون عن تميزهم في كل كبيرة وصغيرة، ولربما يطال التغيير حتى مصطلح “مانكش عادي”.