ماذا يريد «أردوغان» من ليبيا؟ (2)
عماد الدين أديب
ما مفتاح فهم عقلية رجب طيب أردوغان؟
الإجابة فى جملة واحدة: عقل المقاول!
إنها عقلية من يبيع ويشترى، يقامر ويزايد، يفعل أى شىء وكل شىء من أجل الحصول على عقد «المقاولة»!
يرفع «أردوغان» دائماً وأبداً شعارات «المبدأ» و«الأخلاق» و«الدين»، بينما يقوم على مستوى «الأفعال» بما هو مناقض ومعاكس لذلك تماماً.
أصحاب المبادئ والأخلاق ومخافة الله لا يسجنون ولا يعتقلون أكثر من 150 ألف مواطن، لا يقومون بغزو أراضى دول أخرى، لا يبيعون السلاح لكل من يدفع الثمن، لا يدعمون ولا يتبنون خوارج الإرهاب التكفيرى الذين يروعون ويقتلون عباد الله.
أصحاب المبادئ والأخلاق لا يقومون برعاية الفساد، ولا يكون ابنه وصهره أكبر مَن يقومون بالسطو على المال العام.
تأثر «أردوغان» منذ صباه بمشاعر الحرمان الاقتصادى، واضطر أن يعمل بائعاً للفاكهة لمدة 3 سنوات ليستكمل دراسته فى التعليم المدرسى حتى يتأهل للجامعة.
ولأن مهنة الإنسان لها تأثير، بقدر ما، على تركيبة شخصيته، فإن قيام «أردوغان» ببيع فاكهة «البطيخ» أكسبه مهارة أن يبيع سلعة تحتاج إلى مهارة إقناع المشترى بها دون إثبات يسبق الشراء، فأنت لن تعرف مدى جودة البطيخة إلا إذا اشتريتها وقمت بتقطيعها وتذوقتها فى المنزل! هنا يكون قد فات الوقت، ولا مجال لتصحيح الخطأ أو تدارك البضاعة الفاسدة.
كل شىء فى عقل وقلب ونفسية «أردوغان» فيه سلوك المقاول، فهو «يقاول» فى كل شىء:
1- مقاولات إعمار الدول.
2- مقاولات نقل وتسكين اللاجئين والنازحين.
3- مقاولات نقل السلاح من أطراف الصراع داخل سوريا عبر المنافذ التركية.
4- مقاولات تدريب وتجهيز وتسليح داعش منذ عام 2014.
5- مقاولة حماية الأنظمة مثل فرقة قوات النخبة التركية فى قطر لحماية العائلة الحاكمة والمواقع الاستراتيجية فى الدوحة.
6- مقاولة بناء السدود وتجهيزاتها فى أفريقيا، مثل: إثيوبيا، مدغشقر، الصومال، جيبوتى.
7- مقاولة التسويق السياسى لدولة قطر والتنظيم الدولى لجماعة الإخوان داخل الإدارة والكونجرس الأمريكى منذ عهود: جورج دبليو بوش، أوباما، ترامب.
8- مقاولة التشويه السياسى والاغتيال المعنوى عالمياً بواسطة شركات العلاقات العامة وشركات الإعلام ضد مصر والسعودية والإمارات والسلطة الفلسطينية.
9- مقاولة صناعة السلاح وبالذات فى مجال الطائرات المسيّرة، ومحركات الطائرات المقاتلة الأمريكية والمجنزرات، والأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
10- مقاولة توفير ثانى أكبر قوات برية فى حلف الأطلنطى بعد عدد القوات الأمريكية بالإضافة إلى توفير قاعدة «أنجرليك» على الأراضى التركية التى تحتوى على أهم قاذفات ثقيلة محملة برؤوس نووية.
11- مقاولة توفير قوات للحروب، وكان ذلك واضحاً فى عرض تركيا، دون طلب، مشاركة قواتها للقتال إلى جانب القوات الأمريكية فى الحرب الكورية بالخمسينات.
12- مقاولة شركة الطاقة والكهرباء التركية لتوفير المعدات والمولدات وتركيب الأعمدة الكهربائية لكل من إثيوبيا وقطر وأخيراً ليبيا.
13- مقاولة التنقيب عن الغاز والنفط فى سواحل ليبيا، وهو الاتفاق المهم الذى وقعته شركة تركية مع حكومة فايز السراج فى شهر مايو الماضى بناء على الاتفاق غير الشرعى الموقع بينهما لترسيم حدود بحرية وحقوق تنقيب مكذوبة ومخالفة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية الدولية.
14- مقاولات نقل الغاز والنفط من المنطقة من خلال أنابيب عبر البحر الأسود إلى مناطق القوقاز.
وأخيراً مقاولة نقل وتدريب وتسليح وتأهيل وإعاشة وقيادة 15 ألف إرهابى سورى فى ليبيا، ومقاولة قيادة وتأهيل 6 ميليشيات ليبية فى الحرب الأهلية ضد الجيش الوطنى.
ونأتى للمقاولة الكبرى الكبرى الكبرى، وهى اختراق خط «سرت – الجفرة» والاستيلاء على القاعدة البحرية والمطارات والقواعد الاستراتيجية فى شرق ليبيا لتحقيق أهداف:
1- كسر الجيش الوطنى الليبى.
2- الاستيلاء على الهلال النفطى.
3- تهديد الحدود الغربية المصرية واستنزاف متوسط وطويل المدى قد يصل لسنوات لجيش واقتصاد مصر.
4- تهديد حقوق مصر الشرعية فى غاز شرق البحر المتوسط، بهدف تعطيل أو منع مصر من ثروات خزان الغاز والنفط الهائل الذى يدخل فى سواحلها وأراضيها.
رجب طيب أردوغان، الرئيس رقم 12 فى تاريخ تركيا الحديثة، يمسك بمفاتيح ومفاصل الحكم منذ عام 2014، وشغل قبل ذلك منصب رئيس الحكومة منذ عام 2003، وكان رئيساً لبلدية إسطنبول عام 1994، إذن نحن أمام رجل يشغل مناصب القيادة منذ 26 عاماً ويحلم بأن يحكم مدى الحياة!
هذا الرجل، 66 عاماً، الدارس للاقتصاد، الذى يهوى الشعر والكتابة والحياة الحزبية يحترف بمهارة لعبة أن يقول شيئاً بحماسة وقوة، ويفعل عكسه تماماً بإصرار وتعمد!
يتحدث عن الديمقراطية، وهو صاحب أكبر سجل أسود للاعتقالات فى أوروبا، يرفع شعار الطهارة، وابنه وصهره من كبار الفاسدين المتلاعبين بالمال العام، يتحدث عن الشريعة الإسلامية وهو يجيز كل الموبقات فى بلاده.
يتحدث عن تحرير الشعوب وهو يحتل بالقوة المسلحة أراضى الغير فى العراق وسوريا وليبيا.
يتحدث «أردوغان» عن «إمبريالية القوى العظمى» وهو من أكبر تجار السلاح فى العقد الأخير لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
من هنا يجب على من يتعامل مع «أردوغان» أن يضع فى اعتباره الآتى:
1- لا تصدق ما تسمعه منه، ولكن صدق ما تراه فقط.
2- هذا رجل يبيع لك أى شىء مقابل السعر المناسب.
3- إياك إياك إياك أن تصدق شعارات المبادئ والأخلاقيات والشرعية وعباءة الإسلام فهذه ليست سوى أدوات تسويق للاستهلاك المحلى التركى!
طبع «أردوغان» السياسة التركية بفلسفة المقاولات، كل شىء قابل للبيع والشراء والتأجير شرط وجود السعر المناسب المجزى.
ها هو الرجل يبيع ويشترى من «ترامب وتشى وبوتين ونتنياهو وخامنئى، وتميم، والغنوشى، والسراج» فى ذات الوقت.
للوهلة الأولى، قد يبدو ذلك ذكاء وعبقرية ومهارة استثنائية فى جلب المنافع وتعظيم المصالح لبلاده.
ذلك ممكن فى البيزنس، ولكن شريطة أن يكون هناك موقف مبدئى والتزام بالقانون الدولى والاتفاقات والمعاهدات الدولية.
الفارق الجوهرى بين رجل الدولة، وصاحب السوبر ماركت هو أنه ليس كل شىء قابلاً للبيع، بأى ثمن، وبدون أى شروط أو قواعد أو مبادئ.
وجود قوات «أردوغان» فى الموصل، وإدلب وليبيا هو وجود انتهازى استعمارى تجارى مصلحى محض يحاول أن يغلف نفسه باختراع شرعيات ملفقة ومزورة ومكذوبة!
كل ما سبق هو «لزوم ما يلزم» للإجابة عن السؤال الذى طرحناه وما زلنا نطرحه منذ أمس وهو: ماذا يريد «أردوغان» من ليبيا بالضبط؟
غداً نحاول الإجابة، بإذن الله.