مقالات مختارة

ماذا يحمل المستقبل لإيران؟

محمد الرميحي

محمود أحمدي نجاد الرئيس الإيراني الأسبق بعد استبعاده من الترشيح، ظهر في مقابلة تلفزيونية مع التلفزيون الفرنسي/العربي، كانت مختصرة، ولكن من ضمن ما قال: (الديمقراطية الخاضعة للسيطرة وصلت إلى نهايتها!)، الإشارة واضحة، وربما هي حدود ما يستطيع أن يقول في الظرف الراهن، إلا أنها كاشفة. هذا الأسبوع لن ينقضي حتى يعرف العالم أيهما سوف يكون رئيسا للجمهورية الإيرانية، حسن روحاني الجديد القديم، أو إبراهيم رئيسي الذي يبدو أنه مدعوم ممن يعرفون اليوم بالمتشددين! واليوم يصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الرياض، وستعقد قمة بين الجانب الأميركي وكل من دول الخليج ودول عربية وأخرى إسلامية، هي قمة غير مسبوقة، بعض من ملفاتها ستكون عن إيران.
البعض يرى أن ما تقوم به إيران في الدول المجاورة هو (دور) تقوم به دولة لها مصالح في الجوار! يمكن التعايش معه، وآخرون يرون أنه أكبر من دور، هو (تهديد) للجوار، أصبح مزمنا ومؤذيا، ولا يمكن تحمله أكثر، يرى هؤلاء أن التدخل الإيراني السافر في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان، والمستتر في أماكن أخرى، هو (مرض في الرقبة)، هدم المدن السورية وشتت أهلها، وعطل الدولة اللبنانية وهمش بقية شعبها، وأثار بغضاء الطائفية في الوطن المريض العراق، لا يبدو حتى الآن وجود طريقة للتخلص من هذا المرض، فأين ما قلبت رأسك يظهر الألم جليا ومزعجا. إلا أن هذا التدخل الإيراني النشط مكلف للنظام الإيراني نفسه ولشعبه، ولعل مسيرة الانتخابات التي راقبها الجميع وهي تخاض من خلال ما يكتب أو يذاع في الأسابيع القليلة الأخيرة، تدل على أنها (كاشفة) لهذه التكاليف الإنسانية والمالية، كما أنها كاشفة للوضع الداخلي الإيراني، وقد أطلقت تباينات حادة بين شرائح واسعة من الإيرانيين، حيث إن تلك التبايُنات استقطبت الكثير من الدراسات والتحليلات العالمية، التي تنظر إلى المحاذير والمخاطر.
يرى البعض أن هناك أربع قوى بارزة في الداخل الإيراني تتنازع وتتصارع فيما بينها، وهي قوى وصل وطيس الخلاف بينها إلى حد الثأرية، هي قوى هلامية، أي أن ما بينها لا أكثر من مجاميع ذات مصالح متقاربة، وترتبط فيما بينها إما بمصالح اقتصادية أو مناطقية أو ذات جذور آيديولوجية، ويمكن أن نرى المجاميع الأربع باختصار على أنها أولا (المتشددون) التقليديون، ومعظمهم من رجال الدين ويسيطرون على بعض المؤسسات ذات الصلة بالتحكم في الدستور، وترى هذه المجموعة أن التشدد في الداخل والتوسع في الخارج هو الذي يحمي (الثورة) كما يفهمونها، ويحافظ على النظام، ومنه مصالحهم، وخاصة تحكمهم في الثروة، والمجموعة الثانية متشددة بمرونة إن صح التعبير، وترى تقديم إصلاحات جزئية في النظام، ولكن دون المساس بأسس النظام القائم على (ولاية الفقيه) مع مرونة في التطبيق على الأرض، وهي خليط من رجال الدين والتكنوقراط وتجمعهم شبكة غير رسمية وتتقارب وجهات نظرهم في السياسة يسمون المحافظين الواقعيين، يمثلهم أبرز تمثيل المرحوم هاشمي رفسنجاني والسيد روحاني وخاتمي، هذه المجموعة ترى أن الإصلاح ضرورة لبقاء النظام على المدى الطويل، وأيضا الوفاق مع العالم الخارجي دون استفزاز للقوى العالمية وتؤمن بما يسمى (حوار الحضارات) بدلا من صراعها، أما الفئة الثالثة فهي من بقي ممن خاض الحرب الطويلة مع العراق، هم من يسمون (العقائديين) المؤمنين بالثورة الدائمة وتصديرها، ولعل أبرز جناح يمثلهم هو محمود نجاد ومن حوله، الذين يميلون إلى الشعبوية، والدفاع عن الفقراء، كما يتحكمون في المؤسسات العسكرية ذات الطابع الميليشياوي، مثل الحرس الثوري، والباسيج (قوات تعبئة الفقراء)، ويدفعون بقوة إلى التدخل الخارجي ومقاومة (الإمبريالية)! أما الفئة الرابعة فهم الإصلاحيون والحداثيون القائلون بفك الارتباط مع نظام (ولاية الفقيه) وتطوير الدستور، وإخراج الدولة الإيرانية من المجال الديني إلى المجال القانوني الحديث، هم الأقل تأثيرا في الهرم السياسي الأعلى، والأكثر شعبية بين الشباب والأكاديميين المستنيرين، وبعض قطاع التجار، ولكنهم مطاردون من الجميع، هذه الفئة الأخيرة راهنت عليها الإدارة الأميركية السابقة، واعتقدت نظريا أن رفع الضغط عن النظام، وتخفيف حزام العقوبات عنه، سوف يتيح فرصة لهذه المجاميع الأخيرة للتوسع والتأثير في النظام على المدى البعيد!
يبقى عامل آخر ولكن شديد الأهمية في المنظومة، وهو (الإمام القائد الولي الفقيه) الذي قُدس على مر العقود الماضية، ومعظم المجاميع السابقة تعتقد بفرضية أن (الفوز برضاه) ولو مؤقتا، هو الطريق الأقصر للحصول على السلطة. هناك مخاوف حقيقية قد تنطلق في إيران لما بعد حياة (القائد الولي الفقيه) البعض يرى أن القائد الحالي، السيد خامنئي، هو المفوض الأخير في سلسلة ولاية الفقيه، الذي يستجيب له الشعب الإيراني أو الحجم الأكبر منه، أما ما بعده، فإن ذلك مفتوح على سيناريوهات متعددة، أحد تلك السيناريوهات احتدام الصراع بين الفئات الأربع السابقة إلى حد الاحتراب، وقد تأتي ولاية فقيه جديدة، ولكن ضعيفة، تمثل شريحة لا أكثر من الشعوب الإيرانية. العبارة المفتاح في ذلك ما قاله أحمد نجاد، وهو يكتم غيظه في ذلك اللقاء التلفزيوني يوم الثالث من هذا الشهر، قال (الديمقراطية الخاضعة للسيطرة، وصلت إلى نهايتها) وأردف أنه انسحب من السباق كما برر (درءا للفتنة) وهذه مفردة مفتاحية أيضا (الفتنة)، وهي جزء من التباينات الحادة التي تكاد تصل لحد الانفجار في داخل المجتمع الإيراني، إذا أضفنا إليها عاملين، الأول أن القابعين في أسفل السلم الاقتصادي من الإيرانيين تتوسع شرائحهم، ويقصون أنفسهم عن المساهمة في حفلات النظام (الانتخابية) ويقدم أبناؤهم للتضحية بهم في ساحات القتال، والعامل الثاني أن معظم الإيرانيين اليوم لا يتذكرون سوءات نظام الشاه، ولا تعلق في ذاكرتهم إلا أن آباءهم كانوا أكثر حرية في الزمن السابق على الأقل من باب الحريات الشخصية والعامة! وتلك مقدمة منطقية لتعاظم الخلل.
لدينا قاعدة ليست للنظام الإيراني فحسب، ولكن لأي نظام شمولي، تؤكد أنه إذا لم يتغير النظام وبقي على حاله من التشدد، فذلك يُسرع وتيرة الأفول الحتمي للنظام، المثال هو المقارنة بين نظام الاتحاد السوفياتي والصين في نهاية القرن العشرين، بقي الأول يلوك الشعارات، ويراوح في مكانه حتى أفل، وتطورت بدلة ماو تسي تونغ الخشنة قبل خمسين عاما تقريبا، لتصبح ربطة عنق أنيقة للإصلاحي دينج شياو بينغ، وتطور الأمر في الصين إلى ما يعرف اليوم بـ(الاشتراكية ذات الروح الرأسمالية)! وتيرة تآكل النظام الإيراني من الداخل ليست من رغبات خصومه، هي من نتائج أعماله السياسية أولا، فالتصلب يقود إلى اضمحلال رأسمال النظام السياسي، المواطنة هي عواطف نعم، ولكنها ليست حبا عذريا، فعند فقد العدالة والأمن تضمحل!
من منظور آخر، قد تقود الإجراءات التي قد تتخذ من قبل الولايات المتحدة والإدارة الجديدة ضد إيران، إلى تصلب أشد في طهران، يقود بدوره إلى تفاقم المشكلات الإيرانية في الداخل وخلل في الجوار، وينتج سلسلة من التداعيات غير محسوبة، تعمق من أزمتها. كل ذلك يقود إلى توقع أن إيران ينتظرها مستقبل مضطرب، ولن تؤثر كثيرا نتائج الانتخابات الأخيرة في تغيير مساره!. . .
آخر الكلام:
في كثير من الانتخابات السابقة في إيران كان هناك خيار ظاهري، بين العمامة والبدلة المدنية، اليوم خيار الشعوب الإيرانية محدود هو خيار بين عمامتين!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى