ما هو قادم ؟
د. محمد محمد المفتي
قبل قرابة عقدين من الزمان أخرجت إذاعة البي بي سي برنامجا تعليميا باسم ” مسابقة أغبى اختراع” جمع بين حب الصبيان للمشاكسة ونزوعهم للابتكار. طبعا الهدف كان تشجيعهم على التفكير والابداع فتطبيق اي فكرة يتطلب استقصاء الجوانب العلمية والتقنية. كل ذلك بمتعة ووسط قهقهات الضحك.
اليوم ولكن بأبعاد تراجيدية يتنافس ساسة ليبيا والمدافعين عنهم، على ابتكار أغبى الإجابات على شاشات الفضائيات لتفسير ما يحدث وتوظيفه لإيهام المواطن البسيط وتمديد بقائهم في مواقع السلطة. وهكذا يتوالى تبادل التهم والادانات والانكار والتعليلات، ولكن دون تفسير حقيقي لحوادث الموت الجماعي البشعة التي ليس هناك ما يمنع تكرارها في المستقبل.
الجرائم ستبقى جرائم وسوف يلعن التاريخ مرتكبيها. لكننا الآن في منعطف حرج. وما لم نتصرف بحكمة فسوف تتفاقم أوضاعنا وستغرق ليبيا في مستنقع الأزمات المصدرة الينا من الطوق الجغرافي. فالمصريون يكررون الحديث عن تطابق أمن مصر مع ليبيا. فهل سيأتي يوم يتقدم فيه الجيش المصري ومن سيتبعه من آلاف أو ملايين الفقراء الذين ينزحون كل يوم من قراهم نتيجة نضوب وتلوث النيل كما تؤكد الإحصائيات العالمية. وغربا يتباهي بحارة الرئاسي بضبط مئات من المهاجرين الأفارقة ليرضى عنهم ساسة إيطاليا الذين يبحثون عما يعزز نجاحهم في الانتخابات القادمة. ونجهل أو نتجاهل نحن الليبيون أن الملايين في دول الساحل ، سيل من الجوعى والعطشى نحو الشمال بعد أن جفت مواردهم مثل بحيرة تشاد.
باختصار ليبيا مهددة بمخاطر كبرى. وعلينا أن نضع الأمور في نصابها. ما حدث ويحدث من جرائم مدان ويجب أن يقول فيه القضاء كلمته، كما يجب أن يتوقف الساسة عن توظيف هذه الفجائع لمطامحهم القصيرة النظر. وأخيرا على المتحاورين في تونس أو القاهرة أن يعوا أن استقرار ليبيا لن يتحقق إلا بحلول الوسط والتنازلات المتبادلة. وإلا ستتحول ليبيا إلى صومال أخرى التي تمزقها حروبها الأهلية ، منذ سقوط الدكتاتور سياد بري قبل ربع قرن، عام 1991 .