ما السر الذي يخفيه الوباء كورونا؟
سالم الهمالي
بسرعة اجتاح العالم وباء كورونا، وبقوة لا مثيل لها فيما نعرفه اكتسح المكان والزمان، بسط جناحيه شرق المعمورة وغربها وأنشب مخالبه في كل بقعة فيها، يقذف بحممه الفيروسية كأنفاس ثور هائج تتساقط في كل مكان. ثلاثة أشهر قلبت العالم رأسا على عقب، تغيرت فيها مفاهيم الصحة والأمن والاقتصاد، هدمت الماضي وأربكت الحاضر وحتى الآن لا ندري الشكل الذي سيكون عليه المستقبل.
الوباء الذي تحول إلى جائحة تهدد البشرية، لا يشكل خطرا صحيا داهما على أرواح الناس فقط، بل آثاره الاقتصادية أشد فتكًا وضراوة، إذ أصاب الاقتصاد العالمي في مقتل، مسببا شللا غير مسبوق في منظومة التمويل المصرفي والإنتاج والتسويق الصناعي.
المفارقة العجيبة أنه من بين كل آثاره الخطرة، يبدو أن الجانب الصحي هو الأقل على الرغم من فداحته، فأرقام الأرواح التي حصدها حتى الآن بالكاد تجاوزت العشرة آلاف، وإن كان المرجح أن تبلغ حصيلته النهائية مئات الآلاف وربما بضع ملايين.
طبيًا، أحرز تقدم كبير خلال فترة وجيزة، فالتركيبة الجينية للفيروس اكتشفت طلاسمها خلال أسابيع، وتحاليل تشخيصه أصبحت واقعًا ملموسًا في كل دول العالم، وإنتاج لقاحات ضده تطور إلى مرحلة التجارب الإكلينيكية على البشر. يترافق ذلك مع سعي حثيث لإيجاد دواء فعال للشفاء من أعراضه التي تدمر الجهاز التنفسي خلال ساعات قليلة، والنتائج الأولية تبدو مبشرة.
كبار السن والمصابين بأمراض متعددة هم الشريحة الأكثر في أرقام الضحايا، وعزلهم الآن يوفر مدة من الزمن ثمينة حتى يتوصل الباحثون والعلماء إلى أنجع الأدوية والأمصال لمعالجته والوقاية منه.
اقتصاديًا، دخل العالم في حالة شلل كامل، إغلاق عام للمصانع وتوقف للطيران وخمود في البيوت لبلايين المنتجين وغير المنتجين من البشر. هنا يمكن القول إنه ليس الأكثر تضررا من أصابهم الفيروس صحيا، بل كل الاقتصاد العالمي، الذي يعيش الآن على جهاز التنفس الصناعي، تريليونات من الدولارات ضُخت كدواء يستحث الجهاز الاقتصادي للصمود أطول حتى يستطيع الإنسان أن يكبح جماح هيجان الفيروس الخبيث. هذا الواقع يمثل التهديد الأكبر، فإعادة روح الحياة من جديد لمنظومة الاقتصاد العالمي ستكلف ثمنا باهظا وألما يستمر لسنين طويلة.
أمنيًا، ركعت القوى العظمى بأساطيلها وقنابلها وجيوشها ذليلة في مواجهة عدو لا يُرى بالعين المجردة، مُخترقا تحصيناتها ودفاعاتها، فأصبحت أمامه هياكل هشة لا تستطيع الحراك أو فعل أي شيء. دول ذات تاريخ وحضارة تخشى اليوم انهيارا مريعا لأنظمتها وفقدان سيطرة على مواطنيها، فالجوع كافر والوباء قاتل.
وإن كان سابقا لأوانه؛ يمكن قراءة النتائج الأولية بفشل النظام الرأسمالي الجشع، الذي عزز الأنانية الشخصية والدولية، فعمق مديونية الفقراء والدول الفقيرة والنامية وضاعف من ربحية الأثرياء والدول العظمى، فانهارت البورصات وتلك الأرقام والترليونات تلقائيا بدون أن يشتعل حريق أو تهدم طوبة في أي مبنى في العالم!!
وإن نجحت الصين فيما يبدو بالسيطرة ولو جزئيا على آثار الأزمة الناتجة عن وباء كورونا، تتأهب أمريكا لما قد يفعله بها، بعد أن اتخذ فيها موقعا يليق بمكانتها، مرورا بالدول الأوروبية التي تعيش حالة من الذهول والشلل في مواجهته. فهل سيبقى الاتحاد الأوربي قوة فاعلة أم ينهار أمام ميل الكفة تجاه تنامي قوة الشرق الصينية وبداية أفول سيطرة وهيمنة الإمبراطورية الأمريكية على العالم؟
عالم جديد ينتظرنا في الأفق هو السر الذي يخفيه وباء كورونا، يتشكل شيئًا فشيئًا أمام أعيننا، المؤكد فيه أننا، وكما كنا، نحتفظ بمركز المفعول به بكل جدارة واستحقاق.