مؤشرات غير صادمة
عبد المنعم الشوماني
شاهدت فيديو للبروفسيور (نجيب الحصادي)، يتحدث فيه عن نتائج إجابات (بعض) الليبيين على أسئلة طرحت عليهم ومقارنتها بإجابات غيرهم من(بعض) المجتمعات الأخرى.
ولقد(صدمت) من ردة فعل (بعض) المثقفين حول (هذه المؤشرات) وهذا حسب وجهة نظري يرجع لعدم الإطلاع أو الانفصال عن الواقع لدى هؤلاء.
ولقد ركز (كثيرون) على إجابات الليبيين عن (الأخر) ومشاعرهم نحوه، وسوف استعرض أو أذكر البعض عن ثقافتنا تجاه الآخر (ابن بلدنا) في مجتمعنا الليبي، وليس الآخر الوافد إلينا من دين مخالف أو مجتمع آخر.
وهنا لن استشهد بمؤشرات ولا دراسات ولكن من واقع يدركه كثيرون، فمثلاً السيد (……) رغم أنه مولود ببرقة عامة ودرنة خاصة، إلا أن وصف (الغرباوي) سوف يلاحقه، ولن تشفع له ولادته ولا حتى ولادة جده ربما في اكتساب صفة (الشرقاوي) في حين أن جاره (…..) المنحدر من قبيلة (….) فهو سوف يوصف (بالبدوي) رغم أن والده من مواليد (درنة) وهذه الأوصاف (غرباوي) و(بدوي) لا علاقة لها بالجغرافيا أو علم الاجتماع، وإنما هي أوصاف عنصرية محضة.
فضلاً عن صفة (فلان وكال عيش) وهي تطلق على المقيمين خارج نطاقهم القبلي في برقة حتى ولو كانوا من مناطق برقاوية- رغم أن للتسمية أصلا نبيلا وهو يتمثل في أن أصحاب المحاصيل كانوا يسمحون لغيرهم بالتقاط ما يسقط في الارض أثناء الحصاد- إلا أن اللفظ أصبح له دلالة اقصائية.
أما إذا كان (الآخر) من ذوي البشرة السمراء فهو عادة يوصف (بالعبد) إما جهاراً أو من وراء ظهره.
كما أن وصف (البراني) لا يسقط بمرور الزمن ولا يتقادم ولكنه مصطلح مستمر إلى أن يشاء الله.
وليس هذا فقط، بل حتى في عاصمة الدولة -والتي يفترض أن الوعي المجتمعي فيها أكبر- فأنت سوف تلاحقك صفة (الشلافطي) أو (كحيله) إذا كنت من أصول بدوية وهي صفة غير قابلة للسقوط بالتقادم أيضاً.
كما أن تسمية الراعي بوصف (العربي) شائعة أيضاً عند إخوتنا في الوطن وهي بكل تأكيد ليست للمدلول العرقي بل صفة انتقاصيه له.
أما إذا كنت من ذوي الاحتياجات الخاصة، فلا شك أن صفة (لقطع) أو (الحطم) أو حتى (العور) سوف تطلق عليك وتلازمك بل قد تلازم حتى عائلتك وكم من عائلات صارت تكتب هذا اللقب لأنها صارت لا تعرف إلا به.
هذه السلبيات تجاه ابن الوطن، هي نتاج انعدام مفهوم (الوطن) أو (ضيقه) لدى غالبية كبيرة من أبناء المجتمع، وللأسف لم نجد أثراً ملموساً للتخلص منها سوى جهود (الحركة السنوسية) وخلال الحقبة الملكية حيث حدث تحول واضح في وجدان المجتمع واتجاهه نحو الحياة المدنية، حيث شاعت تسميات (طرابلسي، درناوي، مرجاوي) بدلاً من التسميات القبلية الرائجة الآن.
ولكن طبيعة العمل السياسي في فترة النظام السابق والتي حلت فيه القبلية محل الأحزاب السياسي، وأصبحت الدوائر الانتخابية تقسم على أساس قبلي بل ولم تنجو حتى الوظائف الإدارية من المحاصصة القبلية.
إن عدم التشخيص الدقيق لأمراض المجتمعات يعني أننا سوف نتناول الدواء الخطأ، وحقيقة أتمنى لو أن مركز البحوث أجرى دراسة الهدف منها تشخيص الترابط المجتمعي الداخلي لمجتمعنا وتقييمه، وأعتقد أن الاسئلة التي كنا بحاجة لمعرفة الإجابات عليها هي من نوع (هل تفضل أن يكون جارك من أبناء قبيلتك دون أبناء القبائل الأخرى؟ هل ترى أنك من عرق أفضل من بقية الأعراق الليبية؟ هل يمكن أن تستعمل أوصاف (بدوي، غرباوي، شرنقش) للسب والانتقاص؟).
أما الأسئلة التي طرحت في الاستبيان موضوع الفيديو فهي في الحقيقة لا تعبر عن تشخيص حقيقي لحالة المجتمع، وأيضاً لا يمكن مقارنة مجتمعنا بالمجتمع الألماني، فالثاني دفع ثمن أمراضه في فترة سابقة باهضاً، أما مجتمعنا فهو لايزال في حالة المجتمع الألماني قبيل الحرب العالمية الثانية في تصوري- مع الفارق طبعاً- فمجتمعنا لازالت تستهويه النعرات العرقية وثقافة الاجتثاث للأسف.
وختاماً، أدعو المتخصصين في مجال علم الاجتماع إلى للنزول إلى الشارع وإجراء دراسة واقعية تمهد لخلق تصحيح في مسار المجتمع، لأن التشخيص هو نقطة البداية.