ليبين ومازال فينا الخير
مصطفى خليفة
عند الساعة الخامسة والربع من فجر يوم السبت 12 من مايو 2018 استيقظت استعداداً لقطع أكثر من 1400 كيلو متر نحو العاصمة طرابلس، وبعد التجهيزات خرجت من بيتي عند السادسة إلا ربع، وقبل السفر مررت على بيتنا لأسلمهم مفاتيح شقتي وأودع والدي، ودعتهم وانطلقت نحو رحلتي بداية من غات التي لم يقابلني فيها سوى رجل أربعيني يمارس رياضة المشي بعد صلاة الفجر، وعند خروجي من غات وجدت شباباً متطوعاً يقومون بتأمين مدخل المدينة، واستمرت الرحلة مروراً بكهف “الجنون” وتهالا ومن ثم العوينات حيث التقيت فيها جاري “ناصر” مسافراً إلى سبها وهو ضابط في الجيش ويعمل ومن بعد الثورة سائق أجرة بين غات وسبها، فرحت كثيراً بلقائي ” بناصر” وهو على دراية كاملة بأغلب الطرق الفرعية التي تؤدي إلى مدينة سبها التي تشهد اشتباكات متقطعة بين التبو وأولاد سليمان، ومن بعد العوينات مررنا بطريق مليئة بالحفر وغير صالحة لمرور المركبات لانقضاء عمرها الافتراضي، الطريق الحركة فيه عادية وبه عدد من البوابات تؤمن الطريق، وقبل دخولي إلى مدينة أوباري وردني اتصال من صديقي “علي” تفيد باندلاع اشتباكات عنيفة بين طرفي النزاع في سبها على إثرها أغلق الطريق الزراعي المعبدة التي تؤدي إلى سبها .
وصلت إلى مدينة أوباري على وقع هذا الخبر المحبط ، اتصلت بناصر وأخبرته بذالك لكن ناصر لم يعر الأمر اهتماماً وقال لي “فش قممك وبنمشو من الزراعي” أنهيت المكالمة ومعنوياتي في تناقص متزايد لكن مع ذلك كنت مصراً على المرور من سبها، وبالعودة للطريق مررنا بجل مناطق وادي الآجال وصولاً إلى الأبيض آخر مناطق الوادي على جانب الطريق وجدت صديقاً آخر من غات يدعى سليمان واقفا يجري اتصالا هاتفيا ركنت سيارتي وأتيت إليه مسرعاً لأسأله عن الأوضاع في سبها فقال لي إن الطريق مقفل ولا توجد سيارة مرت اليوم لأن الاشتباكات عنيفة، قلت له سنذهب من الطريق الزراعي ناصر سبق له وأن مر منها، قال بحسرة الطريق وعرة ولا تستطيع سيارتي المرور دون أن تصاب بأذى.
وصل ناصر وقررنا العبور من الطريق الزراعية، قبل بوابة 18 بجانب محطة الكهرباء سلكنا طريقا رملية خلف مزارع سبها لم نتجاوز 300 متر وإذا بسيارتنا غارقةً في صحراء مشروع حمزة. ناصر كان الأسرع في إخراج سيارته من الرمال افترقنا عندها وواصل من بعدها طريقه إلى سبها، خرجنا أنا وسليمان من رمال مشروع حمزة حيث لم نستطع إخراجها إلا بإنقاص الهواء من إطارات سيارتنا وهذا ما حدث، وعند العودة للطريق الرئيسي المعبد المؤدي إلى سبها وقفنا قليلا ومر بنا الكثيرون غالبيتهم لم يستطيعوا المرور إلى سبها وإذا برجل من العوينات يبدو أنه قد تعرف علي قال لي أنا قادم من طرابلس توجد طريق زراعية رملية بعد بوابة 18 ما عليك سوى إنقاص الهواء من إطارات سيارتك وستمر بإذن الله الأوضاع جيدة في الطريق.
بعد أن وثقنا في الرجل كونه من مدينتنا غات وهو بالتأكيد سيكون حريصاً على حياتنا قررنا أن نسلك ذالك الطريق ، بعد بوابة 18 تركت سليمان الذي يعمل سائق أجرة يسبقني في الطريق كونه كثير السفر إلى سبها، أخذنا يساراً وسلكنا طريقا في بدايتها تعد صلبة وفي منتصفها رملية، في الطريق لم يفدنا سوى تجربتنا السابقة في مشروع حمزة قبل بوابة 18 حيث أنقصنا من الهواء في إطارات سيارتنا، في الطريق كل السيارات لم تتمكن من الخروج أنا الوحيد من بين أكثر 30 سيارة استطعت المرور حتى صديقي سليمان لم تترك الرمال سيارته تمر، أنا وصلت إلى طريق صلبة إلى حد ما وجدت أحد المارة في الطريق قادما من سبها فسألته عن الوضع في المدينة فقال إن الأوضاع في تحسن الاشتباكات متوقفة ومن خلفي الطريق آمنة، من هنا بدأ تعاطف الليبين وتعاونهم مع بعض البعض.
لم أسأل الشاب القادم من سبها حتى عن اسمه عرض علي تقديم المساعدة في زيادة الهواء بإطارات سيارتي ولديه جهاز خاص بذلك، قمت بزيادة الهواء ريثما يصل سليمان الغارق في رمال مزارع سبها، وصل سليمان واستأنفتا الرحلة إلى سبها مررنا بعديد المزارع وصولاً إلى المنشية بدأنا نسمع أصوات القذائف قوية جداً أشعرتنا بالذعر ومررنا بمعسكر رأينا فيه حشودا كبيرة، الأصوات تزيد من حين لآخر زوجتي بدأت تتذكر أحداث أوباري وتشعر بذعر شديد، سليمان يبحث عن الطريق التي تؤدي إلى شارع 40، وصلنا شارع 40 في الثانية ظهراً تبدو فيها الحركة مزدحمة خرجنا إلى دائري القرضة، ومنه إلى قسم البنات حيث رأينا شباباً يحملون أسلحة متوسطة يبدو أن الوضع غير مطمئن الأمطار بدأت بالهطول على مدينة سبها ، اتجهنا إلى حجارة ومنها إلى طريق وادي الشاطئ يبدو أننا خرجنا من مدينة الرعب .
وصلنا إلى براك الشاطئ كان على سليمان التبديل إلى أخيه حسن، انتظرنا حسن إلى 5 ونصف ومن بعدها سلكنا طريقاً نحو طرابلس، الشويرف خرجنا منها عند وقت الغروب وفي القريات انتظرت حسن حتى ملأ خزان سيارته بالوقود في التاسعة ليلا واصلنا طريقنا إلى مزدة لكن حسن يبدو أنه زاد في سرعته ولم يعد له أثر وأنا لم يسبق لي السفر إلى طرابلس كسائق اضطررت للحاق بشاحنة خاصة لنقل الغاز، في غريان يبدو أن السائق خبير في الطريق ولم يعد باستطاعتي اللحاق به واصلت الطريق لوحدي نحو العزيزية وعند الساعة 12 عشراً ليلاً حدث ما لم يكن في الحسبان، في جزيرة العزيزية المظلمة لم أجد الطريق ووجدت الجزيرة أمامي فارتطمت به وتسبب الحادث في فقدان إطارين لسيارتي.
وقف علي شاب لا أتذكر اسمه قال انه آتٍ من غريان وهو من أولاد بوسيف متجه نحو السواني، وقف معي في محنتي وقام بتغير أحد الإطارات وبعد أن اكتشفت أن إطارين قد فقدتهما في هذا الحادث جاءني شباب من القوة الخاصة التي تؤمن العزيزية عرضا المساعدة وذهبوا للعزيزية لجلب إطارٍ يناسب سيارتي ، في ذلك الوقت رغم أن الوقت كان متأخراً وقف علينا العديدون وعرضوا المساعدة مما يثبت أن بلادنا لازالت بخير ولا يزال الليبيون يساعد بعضهم البعض رغم كل الظروف.
بالعودة للحادث انتظرت شباب القوة الخاصة إلى أن عادوا وجلبوا معهم إطاراً يناسب سيارتي وقمنا بتغيره رافقني الشاب البوسيفي إلى أن وصلت طريق المطار وافترقنا عندها أنا واصلت طريقي إلى طرابلس وهو توجه إلى بيته في السواني، لدى وصولي لطرابلس الساعة 2 ليلاً وجدت أغلب الفنادق مغلقة، طرقنا أبوابها البعض قال إنه لا مكان شاغر لديه وآخر لم يفتح الباب أصلا وعند طرقي للبواب سمعت صوتاً ينادي فإذا بشابة تطل من إحدى نوافذ الفنادق وتعرض المساعدة الشابة تحدثت مع أحد مسؤولي الفندق وقال بالحرف الواحد ” الغرفة فل معاش في كانا ماعندكش وين تبات تعال خش بات في قهوة الفندق والصبح يفتحها ربي” رفضت العرض وأغلق مسؤول الفندق بابه.
توجهت إلى فندق آخر وعند وقوفي على باب الفندق وجدت شابا عشرينيا قال لي لا غرف لدينا لكن هنالك غرفة واحدة بحاجة لتنظيف بسيط تفقدها إن كان وضعها جيداً يمكنك النوم فيها الليلة بالمجان ما كان مني إلا القبول بهذا العرض فلا خيار لدي، إن ما مررت به من مواقف في رحلتي هذه رغم المصاعب التي تواجهنا جميعاً كليبيين بلا استثناء فهذا لا يعني بأن ليبيا لا يوجد فيها الخير، فالخير غير محصور في الأوضاع الأمنية الجيدة أو في البلدة التي تنعم بالأمن والرخاء.