ليبيا: هل يَنْجَح ماكرون في ما فشِل فيه..«الآخرون»؟
محمد خروب
الحملة الاعلامية المُبهِرة وغير المسبوقة التي نظمتها دوائر رئاسة الجمهورية الفرنسية، لتسويق اتفاق المبادئ العشرة الذي وقّعه «الرئيس» فايز السراج و»الجنرال» خليفة حفتر برعاية الرئيس مانويل ماكرون، ستكون و»الإتفاق» امام ساعة الاختبار، عندما يعود «الزعيمان» الى الجماهيرية السابقة، الممزّقة والواقعة تحت رحمة الميليشيات وسطوة القبائل والعشائر ووصاية الدول الداعمة لكل انواع الفلتان في ليبيا، تلك الدول التي (لِحسْن الحظ) لم تُطلِق على نفسها لقب «مجموعة اصدقاء ليبيا» كما فعل معظم المنخرطين في صب الزيت على الحريق السوري، خصوصاً لجهة إدامة الصراع العبثي الذي اندلع في ليبيا مباشرة بعد اطاحة نظام الاخ قائد الثورة، وواصل رهط الداعمين (اقرأ الزاعمين) لحرية الشعب الليبي، بث المزيد من الفوضى وتزويد السلاح والاموال كي يجدوا لأنفسهم مكانا في الهضبة الافريقية الاستراتيجية التي هي ليبيا، والتي من خلالها يمكنهم المساهمة في اعادة رسم خرائط الشمال العربي الافريقي…الجديد، كما سعى – ولم يزل – كل اعداء العرب الى ذلك، عندما شنوا الحرب على سوريا تمهيدا لاستيلاد الشرق الاوسط الجديد، ليس فقط منذ الحرب التي شُنّت على لبنان في مثل هذه الايام قبل احد عشر عاما، وانتهت بهزيمة المشروع الصهيو -اميركي الذي حظي بمباركة بعض العرب وتأييدهم العلَني.
اتفاق النقاط العشر الذي وقّعه ممثل «الشرعية السياسية» والجنرال ممثل «الشرعية العسكرية»، كما وصفهما حرفيا الرئيس الفرنسي، يتّسم بالعمومية والإفراط غير المُبرّر بالتفاؤل، وخصوصاً في تناسيه ورغبته في القفز على حقائق «الميادين» الليبية التي تعج بأمراء الحرب وتُجّارها، كذلك في إهمال دور ونفوذ قبائل وعشائر – وخصوصا الميليشيات – ذات تأثير على المشهد الليبي، وتتوفر على قدرة ليس فقط لتعطيل الاتفاق وطي صفحاته قبل ان تُفتَح، بل وايضا في تحويله الى مجرد ذكرى وفشل ذريع يدخل في سجل الرئيس الفرنسي (دع عنك السراج وحفتر) الذي بدأت شعبيته بالهبوط وبخاصة بعد «صِدامه» الشهير مع قائد الجيوش الفرنسية الجنرال دوفيلييه الذي اضطر للإستقالة، على خلفية رفضه تخفيضاً كبيرا في موازنة الدفاع كان اقترحه ماكرون نفسه.
ان يَستَقبِل ماكرون ووزير خارجيته لودريان السرّاج على باب القصر، الذي عُقدت فيه اللقاءات، تحت تفسير انه رئيس حكومة «شرعي»، فيما يُترَك لرئيس البروتوكول الرئاسي مُهِمة استقبال الجنرال حفتر، يعني الشيء الكثير للأخير، ولن تمر هذه المسألة «الابعد» من البروتوكول..بسلام، لدى حفتر، الذي لم يبتلِع بعد (ولا يبدو انه سيبتلِع) مسألة «شرعية» السراج التي شكّك فيها حفتر نفسه، ورأى فيه مجرد دخيل على المشهد الليبي، بدعم من الدوائر الغربية وخصوصا الالمانية والفرنسية.
رغم ذلك.. فان غموض بيان النقاط العشر وغياب آليات تنفيذه والتركيز على مسألتين تبدوان وكأنهما «لبّ» المشكلة وبوابة لحل الصراع وهما اجراء الانتخابات (اقترحت للغرابة في آذار المقبل) ونزع السلاح، الذي لا يستطيع احد تنفيذه مهما بلغ من قوة او قدرة اقناع، تُسهِم كلها في ايجاد المزيد من الثغرات والثقوب كما الجبنة السويسرية، وتضع الاتفاق كله في مهب الريح، وبخاصة بعد ان ظهرت علامات امتعاض (اقرأ اعتراض واستياء) وردود فعل غاضبة من قِبل عواصم اوروبية وعربية، رأت ان محاولة ماكرون استبعادها لِتجيير «العائد» الإعلامي والسياسي والدبلوماسي لساكن قصر الإليزيه الجديد، لن تُكتب لها النجاح، رغم ما ورد في ديباجة الاتفاق من اشارة الى ان «المبادرة الفرنسية جاءت مُسانِدة لجهود الأمم المتحدة في اطار تنفيذ اتفاق الصخيرات، ومبادرات المنظمات الدولية مثل الاتحادين الافريقي والأوروبي وجامعة الدول العربية ودول الجوار الليبي، والدول العربية كمصر والجزائر والامارات والمغرب وتونس وايطاليا».
كلام انشائي يندرج في اطار المجامَلة، ولا يترك اثرا فعليا على من «ذُكرَت» اسماؤهم او يبدِّد المخاوف والشكوك، في ان باريس تسعى لاحتكار الملف الليبي وفرض نفسها مرجعية اولى ووحيدة له، كما هي حال واشنطن في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي)، وإلاّ لما سمِعنا عن الإستياء الذي اعربت عنه ايطاليا وغمزت فيه من قناة ماكرون، مُعتبِرة «المبادرة» الفرنسية مَثَلاً آخر على تجاهله لايطاليا، ناهيك عما شَاب ديباجة البيان من عمومية ولغة لا تماسك فيها او اشارة الى ان كل هؤلاء هم «شركاء» في مساعي الحل ومرجعيات لن تتجاهلهم باريس او تطمس على ادوارهم.
عندما يعود «الرئيس» و»الجنرال» كل الى خندقه ومتراسه، سيجدان ان شيئا لم يتغير، وان «رُقِي» البروتوكول الفرنسي وكرم الضيافة التي يبرع فيها الفرنسيون، لم تُحدِث فرقا نوعياً في «إنهاء» المأساة الليبية، وان المتقاتلين في الخنادق على الاراضي الليبية، تماما كما العواصم العربية والغربية والافريقية، التي تُغدِق السلاح والاموال – والنصائح – على زعماء القبائل والميليشيات،… لم يتأثّروا كثيرا ببيان قصر «سان كلو» وان «الحرب الاهلية» التي ابدى الرئيس الفرنسي تفاؤله بامكانية «تجنّبها» قد ازدادت فرص استمرارها وتعمّقها، وبخاصة ان «العواصم» التي تم تجاهلها اوروبية كانت أم عربية، ستدير ظهرها لبيان النقاط العشر وتزيد من «دعمها» لناشري الفوضى ومهندسي الفلتان الامني، كي تبقى ليبيا بؤرة صراع دولي واقليمي ومقراً ومَعبَراً للإرهابيين والإتّجار بالبشر والسلاح، كي يدفع شعبها ثمن الجشع الاستعماري الغربي وخصوصا الفرنسي والبريطاني، ودائما في غياب العرب وتغييبهم عن كل ما يخص اوطانهم، بعد ان استمرأوا وتعودوا على ان تكون بلادهم… ساحات حرب وقتل وثأر وتصفية حسابات وإرهاب.