ليبيا الحرب المنسية و جيوبوليتيك الطاقة الدولية
سليمان البيوضي
“رؤية للحل”
كل ما سبق ذكره في هذه السلسلة يشير لأي مدى تمثل الطاقة في ليبيا صراعات متداخلة بين الدول و الشركات الكبرى ، و أنها في قلب التغيرات الاقليمية في توزيع خرائط الطاقة ، و علينا أن ندرك كليبيين ، بأن دولا إقليمية بعينها تعتقد بأن تعطيل المجال الحيوي الليبي سيعزز من مقدرتها على فرض نفسها على خارطة الطاقة الدولية الجديدة ، و بالتالي فهي تنتهج مبدأ الاستمرارية في انتشار الإرهاب و الفوضى و الفساد ، حيث ستزيد مطالبات التعويضات و الجزاءات لدى الشركات الكبرى ، و ستطالب بالتدخل الدولي لحماية و استرجاع مصالحها ، وفقا لمبادئ القانون الدولي الذي تقع ليبيا تحت طائلته بالبند السابع ، و هو بالتالي الحفاظ على وضع آمن لها في المجالات الحيوية ، و سيفرض على مستهلكي الطاقة إيجاد البدائل في السوق العالمية ، و هو ما يعني ضياع البلد و الثروات بالنسبة لليبيين ، و استمرار المعاناة لأعوام و عقود طويلة ، و ثمة تجارب عديدة لدول تزخر بالثروات و الموارد و لكنها معطلة .
أما المضي قدما في مشروع استعادة الوطن و فرض الأمن و الاستقرار و حماية الحدود و الموارد و الثروات ، فهو الخيار الإستراتيجي العادل لفرص نهوض ليبيا ، إن المؤشرات الإيجابية التي مثلها التدفق الآمن للثروات الوطنية من الهلال النفطي ، يؤكد بوضوح مدى أهمية سيطرة الدولة الليبية على المنابع النفطية و المائية و مراكز الثروات ، و كذا الحدود لمنع تدفق الهجرة و الإرهاب ، و هو ما سيسمح بإعادة ترتيب الوضع الداخلي الليبي بهدوء .
سأكون منصفا و صريحا بالقول أن دولا كبرى و إقليمية ، تعتقد بأهمية وجود دولة قوية و قادرة في ليبيا لتأمين و تمرير مصالحها ، و مجالاتها الحيوية باعتبار ليبيا شريكة مهمة في خارطة الطاقة العالمية ، و هو ما يمكن أن يرتكز عليه الليبيون في تصوراتهم و تحالفاتهم للحل ، وفقا للخرائط الجديدة .
لكن قبل ذلك على الليبيين ان يفكروا جيدا في صياغة و إقرار للاتفاق الاقتصادي الليبي المبنى على العدالة بين الأقاليم و المناطق الجغرافية ، و بخلاف الثروات من النفط و الغاز ، يجب اعتماد خرائط توزيع مصادر تنويع الدخل بنحو يسمح بتوسيع المجالات للتنمية المستدامة ، إن توزيع الحقوق من موارد المصادر الإقتصادية المتعددة ، بين الدولة المركزية و السلطة المحلية و المواطن ، سيعزز من فرص التنافس الإيجابي ، مع الفصل بشكل نهائي في مسألة حق الشريك الدولي من استخراج الثروات و تطوير و تنويع الإقتصاد الوطني ، سيعزز من مركز ليبيا الحيوي ، و فرص الإستفادة من حجم ثرواتها و احتياطياتها ، و هذا الاتفاق يجب أن يكون جزءا من الدستور .
إن بإمكان ليبيا أن تكون الشريك الحيوي الأول ، في جيبوليتيك الطاقة الدولية ، إذا ما وظفت بشكل جيد ، الأحواض الليبية من الغاز الطبيعي و الغاز الصخري ، حيث بالإمكان بعث مركز حيوي جنوب المتوسط في أوباري ، ليكون مركزا للشراكة الفاعلة من المنطقة الإقتصادية بقناة السويس المصرية ، ليتحول لجزء من مبادرة الحزام الصينية ، مرورا بغدامس لاغوس ، مع شراكة فاعلة مع الجزائر كدولة تمتلك احتياطات غازية ، و فتح الممرات من الجنوب الى الساحل للشراكة مع الدول الأوروبية المستهلكة للمنتج الليبي ، و هو ما يعني إمكانية توظيف الموارد المكتشفة لدى دول الساحل الإفريقي و التي لا تملك بوابات مائية لتصدير ثرواتها ، و بالتالي خلق تنمية مكانية ، إن تعقيدات الصراع الدولي يمكن أن تدار بشكل أبسط في ليبيا بفعل مركزها الحيوي و حجم الشراكات الدولية في قطاع الطاقة لديها ، إذ أن وجود دولة قوية قادرة على إدارة التوازنات أجدى اقتصاديا لكثير من الدول و الشركات التي تتجنب دائما الولوج بمشروع التدخل المباشر ، و إن وجد من الدول من يعتمد مقاربة تفكيك و تهشيم المجالات .
سيكون من السهل تحويل ليبيا بما تحتويه من مخزون هائل للمياه الأحفورية ، لسلة غذائية لاوروبا بانتهاج مشاريع الإصلاح الزراعي ، على غرار دوائر السرير و تازربوا ، إن إطلاق مشاريع استراتيجية كبرى لطرق دولية للعبور من الشمال الى الجنوب و من الشرق إلى الغرب ، هو ما سيسمح بتحويل السواحل الليبية عموما و المنطقة الحرة مصراتة تحديدا ، لأهم المنافسين في الإطار الدولي ، إذ أن تكلفة النقل من اوروبا باتجاه افريقيا ستنخفض لنسبة 40 % إذا ما مرت عبر ليبيا .
بإمكان ليبيا في الجبل الأخضر و جبل نفوسه ان تكون أهم وجهة سياحية في حوض المتوسط لما تملكه من موارد استثنائية من طبيعة خلابة في الجبل الأخضر ، و لما تحتويه من آثار تاريخية ضخمة في جبل نفوسه ، و إمتدادات استثنائية لكلا الجبلين باتجاه الصحراء ، إن مدينة القطرون الليبية و وفقا للدرسات الدولية تحتوي على أهم نقطة في العالم يمكن الاعتماد عليها لإنتاج الطاقة الشمسية ، و أنوه و بأنه في إطار البحث عن البدائل المكانية ، ستبدأ شركات أوروبية في جنوب تونس بإنتاجها .
للأسف إن الصراع السياسي القائم حاليا بليبيا ، لا يرتقي لمستوى التحولات الكبرى من حولنا ، و استمراره سيعزز من فرص اختفاء ليبيا منه ، خاصة مع وجود قوى تعتمد على قوى الإرهاب الإسلامي المسلح كأداة لتمرير أجنداتها المشوهة ، و بالتالي إن الإنخراط بوضع دائم ، دون وضع معالجات حقيقية للحرب المنسية في ليبيا ، هو انتحار جماعي نساق له .
كل ما سبق ذكره هو قراءة في التغيرات القادمة و نظرة للمستقبل ، و أمل في ليبيا أفضل ، و تنفيذه يحتاج لشيئين لا ثالث لهما ، بسط الدولة نفوذها ، و الإرادة لبناء الدولة الوطنية القوية القادرة ، مع فهم وثيق لطبيعة التغيرات الجيوسياسية من حولنا ، و استيعاب مفهوم تنوع مصادر الدخل و الشراكة و الاستثمار الدولي المبني على الإقتصادات المعاصرة ، بالإضافة لوجود اتفاق اقتصادي ليبي يغني عن حالة الصدام على الموارد و تصاعد المطلبية ، إذ أنه في كل العالم الأمن والاقتصاد صنوان لا يفترقان .