مقالات مختارة

ليبيا: أوهام الحل السياسي

الحبيب الأسود

ما قيل عن اجتماع الإيليزيه المنعقد الثلاثاء الماضي حول الأزمة الليبية، لن يحقق في الأخير شيئا من مخرجاته، بل إن المتابعين للأوضاع في ليبيا يكادوا يجمعون على أن لا انتخابات ستجري في العاشر من ديسمبر، وأن الرئيس الفرنسي الشاب سيصحو مع بدايات 2019 على أن أمله قد خاب، وأن تحولات جديدة قد تعصف بالأوضاع داخل التراب الليبي في أي وقت.

وهناك أسباب كثيرة تدفع إلى هذا الاعتقاد، أولها أن الفرقاء المجتمعين في باريس لم يمضوا على أي اتفاق، وهو ما برره إيمانويل ماكرون بعدم اعتراف تلك الأطراف ببعضها البعض، حيث لا مجلس النواب يعترف بحكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي، ولا مجلس الدولة والمجلس الرئاسي يعترفان بالقيادة العامة للجيش ممثلة في المشير خليفة حفتر، ولا الجيش الوطني يعترف بجماعة الإخوان المسيطرة على مجلس الدولة وعلى جزء من المجلس الرئاسي.

ولا شك أن تطاول رئيس مجلس الدولة خالد المشري على المشير والجيش الوطني ودفاعه المستميت عن إرهابيي القاعدة في درنة، يشيران إلى أن الخلاف أعمق من أن يتم تجاوزه بلقاء في باريس أو بمبادرة من الأمم المتحدة أو بكلمات مجاملة من دول الجوار والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، بل يكشف عن حقيقة العجز الإقليمي والدولي في التعامل الجدي مع الوضع داخل ليبيا.

السبب الثاني، أن الميليشيات المسلحة في المنطقة الغربية، وأغلبها مرتبط بحكومة الوفاق، أعلنت عدم اعترافها باجتماع باريس ومخرجاته، وهي تنطلق في ذلك من رفضها للعملية السياسية والاستحقاقات الانتخابية وللجيش الوطني وقيادته العامة، ومن ارتباطها الوطيد بقوى إقليمية ودولية لا تريد لليبيا أن تخرج من أزمتها إلا وفق مصالحها ذات العلاقة الواضحة بمشروع الإسلام السياسي، وهي لا تمانع في تقسيم البلاد على أسس جهوية ومناطقية وقبلية وثقافية، طالما أن ذلك يخدم أجنداتها.

السبب الثالث، هو مقاطعة مدينة مصراتة، بما تمثله من ثقل سياسي واقتصادي وميليشياوي لاجتماع باريس. وهي مقاطعة ليست بعيدة عن موقف إيطاليا الغاضب مما تعتبره تدخلا فرنسيا مباشرا في مستعمرتها القديمة، خصوصا وأن العلاقة بين مصراتة وروما لها بعد تاريخي، وقد تجددت بقوة خلال السنوات الماضية، ووصلت إلى حد وصول عسكريين إيطاليين إلى المدينة الساحلية، وتتضح الصورة أكثر عندما نربط ذلك بالرفع من مستويات التنسيق بين روما والدوحة وأنقرة، وتركيز الإيطاليين على المنطقة الغربية وعلاقاتهم بالميليشيات المرابطة فيها والتي تحرس مصالحهم بما فيها خط أنابيب الغاز وصادرات النفط.

وقد قرأ الإيطاليون اجتماع باريس على أنه محاولة من الرئيس الفرنسي لاستغلال حالة الفراغ الحكومي في بلادهم للاندفاع للقيام بدور مهم في مستعمرتهم القديمة، متعاونا في ذلك مع المبعوث الأممي غسان سلامة، الدبلوماسي اللبناني، والفرنسي كذلك باعتباره يحمل الجنسية الفرنسية.

أما السبب الرابع، فهو ما يدور في الخفاء، من تخطيط ميليشياوي للهجوم من جديد على طرابلس تشترك فيه جماعات مسلحة من مدن الساحل والجبل الغربيين، وهذا التخطيط يرعاه شرعيا مفتي الإرهاب الصادق الغرياني، وتقف وراءه الجماعة المقاتلة، وتدفع نحوه بكثير من الهدوء جماعة الإخوان المرتبطة سياسيا بقطر وتركيا والمتوافقة مع إيطاليا وبريطانيا والجزائر، وهدفه تعطيل المسار السياسي ومنع تنظيم الاستحقاق الانتخابي، خصوصا في ظل وجود مؤشرات على أن الإسلاميين وإن كانوا يمتلكون القدرة على تجييش الميليشيات، إلا أنهم لا يحظون بأي شرعية في الشارع الذي جرب مغامراتهم لمدة سبعة أعوام.

وأي صراع جديد في المنطقة الغربية، سيتسبب في إعادة خلط الأوراق من جديد، واستبعاد تنظيم الانتخابات، بينما تحافظ المنطقة الشرقية على مكاسبها الأمنية في ظل استعادتها مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش الوطني والشرطة والحكم المحلي.

بمعنى آخر، إن المسيطرين على مقاليد القرار في طرابلس والمنطقة الغربية، لن يقبلوا بانتخابات تخرجهم من دائرة الحكم، خصوصا بعد أن فشلوا في التوصل إلى اتفاق للتحالف مع رموز النظام السابق، وبعد أن اقتنعوا بأن صراعهم مع القيادة العامة للجيش، هو صراع حياة أو موت، وبأن الشعب في غالبيته الساحقة رافض لهم، ومن أجل ذلك سيفتح ماكرون عينيه في يناير 2019 على أن الوضع في ليبيا لم يتغير، وأن الليبيين كانوا يعرفون جيدا ماذا يريدون عندما رفضوا التوقيع على اتفاقية ملزمة.

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى