مقالات مختارة

لولا ونيكولا

سمير عطا الله

في تصرف القضاء الآن رئيسان سابقان لاثنتين من أهم دول العالم: نيكولا ساركوزي – فرنسا، ولويز إيناسيو لولا دا سيلفا – البرازيل، كبرى دول أميركا اللاتينية. لم يصدر حكم في قضايا الرشوة والفساد التي اتهم بها ساركوزي حتى الآن، لكن المحكمة العليا في البرازيل أيدت حكماً بالسجن 12 عاماً على لولا البالغ 72 عاماً.
تاريخ الرئاسات في البرازيل مضطرب ومشوش: مراحل من الحكم العسكري، ورئيس يطلق النار على صدغه، ومن ثم استقرار ديمقراطي. في هذه المرحلة، انتخب الرجل الذي لم يتعلم القراءة قبل العاشرة من العمر، وعاش مشرداً في الشوارع وعاملاً في المصانع، قبل أن يدخل العمل السياسي ويصبح الرئيس الأكثر شعبية في تاريخ بلاده.
ماذا يريد المشرد السابق أكثر من مجد الرئاسة؟ المال. وفي بلد مثل البرازيل، الفساد ليس إهانة، أو هكذا كان يُظن. بعد انتهاء ولايته، انتخبت مكانه ابنة مهاجر بلغاري تدعى ديلما روسيف، لكنها لم تكمل ولايتها. لاحقتها تهم الفساد، فاستقالت. وخلفها نائب الرئيس ميشال تامر، من أصل لبناني، وأثيرت حوله تهم الفساد، لكنه نجا حتى الآن.
كان في البرازيل مهرجانان، المهرجان الشهير في الريو، حيث يخرج الوطن إلى الشارع للرقص، ومهرجان الفساد. الثاني يحاول القضاء أن يضع حداً له الآن. لولا إلى السجن يمسح دمعة حرى تساوي كل ما غرف وما لم يغرف؛ سوف يفكر السياسيون مرتين بعد اليوم قبل أن يخلطوا بين أموال الناس ومالهم، خصوصاً إذا كانوا قادمين باسم الفقراء ومشردي الشوارع.
في فرنسا، انتخب ابن مهاجر مجري يدعى نيكولا ساركوزي رئيساً للدولة، خلفاً للويس الرابع عشر ونابليون الأول وديغول. ماذا يريد أكثر من هذا المجد؟ المال. لكنه طلبه من مصدر فاضح، أو بالأحرى: قَبِله. القضاء يحقق، لكنه لم يقرر بعد؛ مسألة طويلة ومعقدة وسوف تكون مؤلمة جداً.. للجميع.
عندما أوقفت الشرطة، الشهر الماضي، أول رئيس سابق في تاريخ فرنسا بتهمة قبض المال من معمر القذافي لمعركته الانتخابية، نشرت صحيفة «الموند»، صوت المحترمين، تحقيقاً من ثلاث صفحات عن قصة ساركوزي والملايين التي تلقاها من القذافي.
حتى بالنسبة لمعارضي ساركوزي، سوف يكون هذا المسلسل القضائي والإعلامي مؤلماً ومريراً. يزيد في الإهانة ما يصرح به معاونو القذافي السابقون حول الرشوة، من دون أن يقعوا تحت طائلة قانونية، أو أن يتحسبوا لأقوالهم.
من البرازيل إلى فرنسا، سوف يتعظ السياسيون. في المرات المقبلة، سوف يكونون أكثر حذراً.

المصدر
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى