أدلى رئيس اتحاد يهود ليبيا رافائيل لوزون، بتصريحات خاصة “ومثيرة” لبرنامج “البلاد” على قناة “218NEWS”، تحدث فيها عن جل القضايا التي تمس يهود ليبيا من الناحية التاريخية والثقافية والسياسية.
وبدأ لوزون حديثه في حلقة البلاد التي بثت، السبت، بتحميل “النظام الديكتاتوري” الذي أنشأه ورسخه في ليبيا العقيد معمر القذافي منذ عام 1969 مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد، أولا من تدهور وتخلف ومآس إنسانية، ثم المسؤولية عما حصل ليهود ليبيا، إذ غذى العقيد القذافي -بحسب رافائيل- نزعة الكراهية لدى الليبيين تجاه أشقائهم الليبيين من الديانة اليهودية، وأنه مارس سياسة تحريضية ضدهم، ولم يتدخل لوضع سياسات وقوانين من شأنها أن تمنع التمييز والاضطهاد بين المواطنين على أساس الدين أو العرق.
وحمل لوزون القذافي مسؤولية تهجير يهود ليبيا إلى عدة دول أوروبية، وأن أفرادا في نظامه صادروا ممتلكات اليهود من أموال وعقارات، كما أن السفارات الليبية في الخارج بعد هجرة يهود ليبيا إلى دول أوروبية رفضت عبر ما أسمته بـ”أوامر عليا”، إصدار أو تجديدات جوازات سفر الليبيين اليهود، وبدون أي مراعاة إنسانية، فقد توفى الكثير من يهود ليبيا بسبب المرض، ولعدم قدرتهم على السفر للعلاج لأنه لم يكن معهم وثائق سفر ليبية بذلك الوقت.
ويقول لوزون إنه في إحدى المرات كتب رسالة مؤثرة ينقل فيها رغبة أمه زيارة ليبيا، وزيارة العاصمة طرابلس، ومدينة بنغازي لأنها كانت تواجه الموت البطيء، وأنها تريد أن تزور ليبيا كآخر أمنية لها، كاشفاً أن أفراداً في الدائرة الضيقة للعقيد معمر القذافي اتصلوا به وأبلغوه دعوة القذافي له ولوالدته لزيارة ليبيا، لافتا إلى أنه جرى تلبية الدعوة، وحقق أمنية والده بزيارة ليبيا، إذ لم يمض عام بعد ذلك حتى توفيت والدة رافائيل لوزون، مؤكدا أن ينبغي توجيه الشكر للعقيد القذافي لأنه مكنه من تحقيق آخر أماني والدته قبل وفاتها.
أعداد “يهود ليبيا”
أرقام كثيرة جرى تداولها لعدد الليبيين من أتباع الديانة اليهودية طيلة السنوات والعقود الماضية، وهي أرقام تقول روايات متضاربة إنها قريبة من الصحة، فيما يقول آخرون إن هذه الأرقام وهمية، إذ وصل عدد يهود ليبيا الذين يعيشون في عدة دول أوروبية منذ هجرتهم القسرية عن ليبيا قبل عقود إن عدد يهود ليبيا ناهزوا أكثر من 40 ألف مواطن ليبي قبل عام 1967 وهو العام الذي شنت فيه إسرائيل حربا على الفلسطينيين والعرب، والأمر الذي أدى إلى خلط كبير بين الليبي اليهودي المؤمن ببلاده وبوطنه وبعروبته، لكن دينه يهوديا.
وبحسب لوزون، فإن عدد يهود ليبيا قد فاق الـ40 ألفا في مراحل زمنية معينة من تاريخ ليبيا، لكنهم الآن بحدود الخمس آلاف شخص، يعيشون خارج ليبيا في دول أوروبية عدة ويحافظون على ثقافتهم الليبية الكاملة والعميقة في المناسبات السعيدة والحزينة، وكونوا مجتمعات ليبية في مجتمعاتهم الأوروبية التي يعيشون فيها.
وشرح لوزون رئيس اتحاد يهود ليبيا إن يهود ليبيا قتل منهم نحو 500 شخص مع بدء موسم هجرتهم من ليبيا، وأن العديد من ممتلكاتهم قد جرى تدميرها وحرقها فقط لمجرد أنهم كانوا من الديانة اليهودية، رغم أن تاريخ ليبيا كله لم يشهد حالة واحدة لخيانة أو تآمر على ليبيا قام بها يهودي ليبي، بل العكس -بحسب لوزون- فإن جده الذي يحمل اسمه قام بالقتال ضد الاستعمار الإيطالي، لافتا إلى أن الجيش الإيطالي كان يضم جنودا من الديانة اليهودية، ومع ذلك قاتلهم جدي وبعض يهود ليبيا، وهذا يؤكد أن ولاء يهود ليبيا كان لوطنهم وليس لديانتهم.
هذا ما يريده “يهود ليبيا”
وبشأن مطالب “يهود ليبيا”، صرح لوزون بأنهم لا يبحثون عن أي صراعات سياسية أو انتقام، ولا حتى تعويضات بسبب تهجيرهم وقتلهم والاعتداء عليهم، وعلى ممتلكاتهم قبل عقود عدة، بسبب المناخ السياسي السائد وقتذاك، والذي ساوى بينهم وبين ما فعلته عصابات صهيونية بحق عرب ومسلمين وقتذاك.
وشدد لوزون على أن ما يطالب به يهود ليبيا هو إعادة ممتلكاتهم التي تركوها في أكثر من مدينة ليبية كما هي، وإعادة أموالهم التي كانت في المصارف وقت هجرتهم من ليبيا، كما أنهم يريدون إعادة ممتلكاتهم من شقق وعقارات ومخازن كانت بأسمائهم قبل عقود، قبل أن يتم مصادرتها، وتسجيلها بأسماء أشخاص آخرين، مؤكدا أن المئات من يهود ليبيا لا يزالون يمتلكون ما يثبت ملكية هذه الأموال والعقارات، وأنهم ورثتها المستحقين رغم كل تلك العقود التي مرت.
وبحسب رئيس اتحاد يهود ليبيا، فإن الآلاف من يهود ليبيا قد حصلوا خلال السنوات الماضية على جنسيات عدة دول أوروبية، وأنهم لا ينوون العودة إلى ليبيا للعيش فيها، وأنهم أقاموا أعمالهم وحياتهم في الدول التي يعيشون فيها، لكنهم يأملون أن تمنحهم السلطات في ليبيا جوازات سفر، وأن يتمكنوا من زيارات متكررة لليبيا، وإقامة أعمال تجارية ضخمة فيها، مؤكدا أن العديد من يهود ليبيا يعيشون تهديدات بالقتل على مواقع التواصل الاجتماعي لمجرد أنهم يعلنون حبهم لليبيا، وحقوقهم فيها، فيما يقول لوزون عن نفسه إنه يرغب في العودة إلى ليبيا والاستقرار فيها في أقرب أجل ممكن.
“يهود ليبيا” مع حفتر أم مع السراج؟
كشف رئيس اتحاد يهود ليبيا رافائيل لوزون عن أن الليبيين اليهود يظهرون استياء كبيرا من الانقسام والتناحر السياسي بين أطراف عدة في ليبيا، وأنهم ينتقدون بقوة وجود أكثر من حكومة، وأكثر من جسم تشريعي، وأكثر من جيش، مؤكدا أن هذا يعتبر أسوأ ما في الأزمة الليبية بحسب ما يقتنع به يهود ليبيا الذين يعيشون خارج ليبيا منذ عقود طويلة خارج ليبيا، وأن استمرار هذا الانقسام من شأنه أن يزيد حدة الأمور تعقيدا في ليبيا خلال المرحلة المقبلة على صعيد الأزمة السياسية بحسب لوزون.
ويقول لوزون لـ”البلاد” إن يهود ليبيا لم ينحازوا أبدا إلى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، ولم ينحازوا أيضا إلى القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر طيلة السنوات القليلة الماضية، وهو ما يجعل يهود ليبيا قوة وطنية محايدة قادرة من مجتمعاتها الأوروبية، وعلاقاتها القوية بعواصم الثقل السياسي عالميا على إحداث وساطة سياسية بين الأطراف الليبية، والتأثير القوي إيجابيا على الخلافات السياسية لحلها، مؤكد أن يهود ليبيا لديهم علاقات عميقة بإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، ودول أوربية عدة.
شلقم و”يهود ليبيا”
وصف لوزون، وزير الخارجية السابق عبدالرحمن شلقم بأنه “رجل طيب”، وأنه حاول مساعدة يهود ليبيا بقوة حينما كان سفيرا لليبيا في العاصمة الإيطالية، وأبدى تعاطفا كبيرا حيال ما يعانيه يهود ليبيا الذين اختار الكثير منهم بعد هجرتهم من ليبيا مدينة روما للانتقال إليها، لافتا إلى أن شلقم كان شاهدا على معاناة إنسانية صعبة وعميقة ليهود ليبيا الذين ظلوا على حنينهم وولائهم للوطن رغم التهجير القسري عنه.
وبحسب رافائيل لوزون، فإن شلقم كان مضطرا لأن يجيب طوابير من يهود ليبيا الذين كانوا يقفون أمام مقر السفارة الليبية في العاصمة الإيطالية روما، بأن التعليمات التي تصله من السلطات العليا في طرابلس بأن إصدار وثائق سفر ليبية، أو حتى تجديد المنتهية منها هو أمر غير ممكن، مبينا أن يهود ليبيا كانوا يعرفون أن هذه التعليمات كانت تصدر عن العقيد معمر القذافي شخصيا الذي كان يوهم الليبيين والعرب أنه يخوض معركة ضد إسرائيل، وأنه ساهم في التعمية على الفرق بين ليبي ديانته يهودية لكن ولاءه لبلده وشعبه، وبين حركات صهيونية في أوروبا وإسرائيل تحاول إيذاء المسلمين والعرب.