لو بطلنا نكتب نموت
طارق الشناوي
مع بداية العام الجديد الذي مضت ساعات أو ربما دقائق قليلة على ميلاده، تتجدد الأحلام، كل منا لديه أمنيات مؤجلة من العام الماضي أو ربما عشرة أعوام مضت، أنا شخصياً تعود أحلامي التي تمنيتُ، دون جدوى، ولو تحقيق جزء يسير منها، إلى ما قبل الألفية الثالثة.
أشعر أن الزمن يضيق أمامي، وهي مشاعر من الناحية النفسية نعايشها جميعاً كلما تقدمنا في العمر، نشعر أن المساحة المتاحة تتضاءل عن العام السابق، وإيقاع مرور الأيام أسرع، بالطبع لن أكرر ما كان يقوله الشاعر الكبير كامل الشناوي، وهو يستقبل عيد ميلاده: «عدتَ يا يوم مولدي/ عدتَ يا أيها الشقي/ الصبا ضاع من يدي/ وغزا الشيب مفرقي/ ليت يا يوم مولدي/ كنتَ يوماً بلا غدِي»، لا لم أصِلْ بعد إلى تلك المرحلة، ولكن ربما تتوافق مشاعري أكثر مع شاعر قديم لا أتذكر اسمه، قال: «ما أروع الأيام يا صاحبي/ لولا أنها إذا مضت لا ترجع»، وتلك هي حقاً المشكلة، الأيام لا ترجع.
أقول لنفسي في بداية العام الجديد، ومنذ ربما 20 عاماً، إن نَقْد الأعمال الفنية لا يجدي، والفنان في العادة لا يولي اهتماماً بها، ولا يتعامل مع ما يُكتب عنه بحسن نية، لديه مؤشر واحد يتابعه بدقة، أقصد الرقم الذي يحققه في السوق الفنية، ومدى تهافت شركات الإنتاج للتوقيع معه، ومهما كتبتُ أنا أو غيري، فلن يغيِّر في الأمر من شيء، سوى أن البعض، أو إن شئتَ الدقة، الأغلبية، يغضبون مما يرونه سلبيات تُشير إليها عادة أقلام النقاد.
في كل الأحوال الأمر ليس جديداً أبداً، اكتشفتُ مثلاً وأنا أراجع أخيراً عدداً من أحاديث كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، أنه مثلاً رفض أن يكتب مذكرات نجمة لامعة، كانت قد ارتبطت بالزواج من شخصية سياسية كبيرة في مصر بعد ثورة 1952، هذه الفنانة بسبب موقفه، قررت الانتقام فاتهمته، وكانت تقطن بجواره، بأن عربته قد صدمت عربتها والخسائر 100 جنيه، ودفعها أديبنا الكبير مرغماً، يجب أن تلاحظوا أن هذا الرقم في تلك السنوات كان يساوي الآن عدة آلاف من الدولارات، أديبنا الكبير لم ينتقد عملاً فنياً لها، ولكنه فقط رفض كتابة مذكراتها، فدفع الثمن.
هل يكتب الناقد للفنان أم للناس؟ المفروض أننا نكتب للجمهور، قد يكون بين القراء مبدع العمل الفني، ولكن الهدف هو الوصول للناس.
هل النقد مؤثر في الرأي العام؟ لن تجد طبعاً إحصاءات رقمية موثقة، ولكن علينا ملاحظة أن كثيراً من الأغاني والأفلام التي هاجمتها أقلام النقاد بضراوة، كان ذلك سبباً كافياً لانتشارها، لديكم مثلاً أغنية أحمد عدوية: «السح الدح امبوه»، التي رددها في أعقاب هزيمة 1967، حققت أعلى رقم توزيع في سوق «الكاسيت». العديد من الأعمال الفنية التي يصفها عدد من النقاد بالإسفاف، كانت تشغل مكان الصدارة في معدلات البيع.
هل آخُذ بتلك الأمنية هذا العام وأتوقَّف؟ أعلم أن عدداً لا بأس به من النجوم يتمنون ذلك، حتى لا ألاحقهم بكتاباتي عنهم، ولكن النقد هوايتي قبل أن يُصبح مهنتي، ولهذا فأنا سأردد مع الموسيقار محمد عبد الوهاب: «أحبه مهما أشوف منه/ ومهما الناس قالت عنه»، وهكذا وللمرة ربما العشرين لن أرضخ لحلم التوقف عن الكتابة: «لو بطلنا نكتب نموت»، مع الاعتذار لمطربي المفضل محمد منير.
____________________________