لمن هذي البلاد إذاً..؟!
مروان العياصرة
كل هؤلاء جريئون جدا في الحب .. أقصد حب البلاد التي لا تكره أحدا
جريئون ويختلفون عليه لدرجة أن أحدهم لديه قابلية أن يكون قاتلا أو لصاً أو غبياً أو ولداً بريئا ما تزال أفكاره طرية عن الحب والبلاد والحكومات والناس والحروب..
لمن هذي البلاد إذاً.. ؟
لسبب ما، لا اعتقد أنها لكل عشّاقها الكثيرين..
البعض منهم يحبها لأن أمه أنجبته فيها ذات يوم، وذاكرته المثقوبة ممتلئة بعناوين حارته الصغيرة وشارعه الذي احتمل منه كل ثرثرة خطواته الأولى، ومدرسته التي تسلَّق أسوارها متأخرا عن الطابور الصباحي، أو هاربا من حصّة الرياضيات .. و”محلته” قليلة العتب رغم ما مرَّ عليها من حزن وتعب، ومدينته التي يقرأ كل مجدها من اسمها فقط..
البعض يحبها لأنها لا مكان له سواها، في هذا العالم الذي تبدو فيه الجغرافيا درسا صعبا، أصعب بكثير من خارطةٍ على الورق أو في كتاب مدرسي..
البعض يحبونها لأنها تلزمهم دائما، حين يريدون أن يصبحوا تُجّاراً أو أبطالاً، أو أثرياء أو رموزاً.. أو كل هؤلاء معا.. يحبونها باعتبارها حقيبة سفر ومطارات، أو فنادق وولائم وميكرفونات..
لمن هذي البلاد إذاً.. سأل شيخ كبير عاش الزمن الصعب كله، من ألف الأمل إلى ياء اليأس، ومازال لم ييأس، تُوجِعه الحرب ويُحزنه الدم والدمع ولا ييأس، وتؤلمه الأرض التي ابتلعت عرق أبنائها ودم شهدائها ولم تنفجر، وتحزُّ في قلبه سكينٌ بقبضة أخ و”ابن بلد”..
البلاد لفقرائها..
قالها حكيم، أنجبته ثمانون سنة، نصفها ذكريات قديمة، ونصفها صبر وخيبات..
البلاد لفقرائها الذين كلما أخطأوا في الحب، بكوا، أو ندموا أو تحسسوا ترابها بحزن، أو ناموا وقلوبهم مقبوضة..
البلاد لفقرائها، الذين ملأ غبار الحرب عيونهم، وقالوا لصغارهم إنه كحل يترك في العينين سنتين فقط، كي تبرأ من رمد الأربعين، وها قدر مرت ست سنين ويأبوا أن يغمضوا..
البلاد لفقرائها..
الذين لم يسطو على “ضيّ” جار، ولا رزق صديق، ولا كذبوا ولا ناموا على حقد ولا حسد، وإذا ناموا، وقد سرق أحدٌ طمأنينتهم، ناموا مطمئنين، هكذا بلا سبب.. فهكذا البلاد، هي لمن يحبها بلا سبب