للمتزوجين .. والعُزَّاب فقط
محمد خليفة إدريس
أهلا بك صديقي/تي القارئ/ئة، إذا كنت تقرأ هذه الكلمات فلا بد أنك من إحدى الفئتين المستهدفتين كما ذكرت في عنوان المقالة.
قبل أن أتحدث إليك أرجو منك الإجابة عن سؤال بسيط قبل الانتقال إلى الأسطر التالية:
إذا كنت متزوجا فلماذا تزوجت؟
وإذا كنت عازبا فلماذا ستتزوج؟
لا تنزعج فأنا لا أضعك في جلسة تحقيق فقط ادخل وفتش في خبايا نفسك عن الإجابة واحتفظ بها ولا تطلعني عليها.
أنا متزوج إذا أنا موجود!!
لطالما دأب مجتمعنا الشرقي على إيلاء الزواج أهمية كبرى بل في بعض الأحيان يكون الزواج هو الانجاز الأعظم في حياة الفرد، ولدى غالبية الناس، تزداد قيمة الانجاز بازدياد عدد الأبناء دون اعتبار -غالبا- لتربيتهم، فالزوج بكثرة الأولاد يعتبر “راجل مَقَنَّطْ”، والزوجة “وَلِيَّة صح”، ولا بد لاكتمال هذه المتلازمة أن يكون الأب كقائد الجيش أوامره تسمع وتنفذ، ولا تُناقش حتى بعد التنفيذ، عكس القاعدة العسكرية التي تقول “نفذ ثم ناقش”.
حياة حشرة
وقد وصف الكاتب والأديب أحمد خالد توفيق الرغبة في الزواج في عالمنا العربي فقال “إن الناس يتزوجون ليجدوا من يرعاهم، أو يتزوجون لينجبوا، أو يتزوجون لأنهم لا يجدون شيئا أفضل يفعلونه!!”.
ومن وجهة نظري فإن حقيقة ما يحدث في مجتمعاتنا الشرقية ما هو إلا تكريس لنمط “حياة الحشرة” إذ لا بد لك من الزواج في سن معينة ولا يجب أن يفوتك هذا الطور قبل أن تتكاثر، وترتبط بزوجة “تنكد عليك” أو زوج “يقصّر عمركِ”، بغض النظر عن قدرتك المادية أو مستواك الوظيفي أو استعدادك النفسي أو أهليتك أساسا للزواج!!، المهم أن تتزوج، فكل من في جيلك تزوجوا وأنت عازب “فاتح فمك!!”، مع أني لا أجد علاقة بين فتح الفم وعدم الزواج!!
عقد “شَغَّالة”
أسباب الزواج التي يسوقها لي الغالبية لا تخلو في مجملها من نظرة براغماتية مبنية على مدى المنافع التي ستحصل عليها عندما تتزوج، وأنا هنا لا أتحدث عن الحياة المشتركة والحب والتعاضد، بل عن “حوش ملموم، دبش مغسول، وغداء جاهز …. إلخ” من متطلبات الحياة اليومية وكأنك بصدد توقيع عقد استجلاب “شَغَّالة” وليس عقد زواج!!، أما عن الفتاة فإنها تبحث عن “الأمان” عملا بالمثل المصري “ظل راجل ولا ظل حيطة” وطبعا عندما تكون الخيارات بين الرجل و”الحيطة” فكل شي مقبول!!، وستنتظر تلك البائسة من يأتي لانتشالها من ضياعها لتكمل عمرها في ظله، وبالطبع أي ظل خير من الشمس الحارقة!! ولكنها لا تعلم أنها قد أقدمت على خطوة جديدة ستغير حياتها 180 درجة.
تنصل من المسؤولية
الوجه الآخر للبراغماتية والنفعية المطلقة هو ما ساقه لي أحدهم في محاولته لتبريرات الزواج المبكر حيث قال لي إن الذي يتزوج في مقتبل العمر سيرزق بطفل في أول عمره، وسيكبران معا – الأب والابن- وسيرتاح الأب عندما يبلغ الأربعين على أقصى تقدير؛ لأن ابنه سيتولى كل أمور البيت ليرتاح هو من “الهم والحِمْل”!!، وهنا استوقفته مستفهما، إذا كان الزواج من وجهة نظرك يا صديقي هَمَّاً وحملا ثقيلا فلماذا الإقدام عليه من الأساس؟، أولست الآن تملك خيارك في الزواج من عدمه؟، في حين أن ابنك -المسكين- لا يملك من أمره شيئا فلا يستطيع إلا أن يقول لك سمعا وطاعة، وبالتالي فأنت هنا يا صديقي لا تتحدث عن زواج بل عن عقد خادمة، ومشروع تفريخ عُمالٍ بالسُخرة!!.
لنكون موضوعيين فليس الجميع ينظر للزواج بهذه الطريقة ولكن للأسف فهذه نظرة السواد الأعظم – على الأقل ممن قابلتهم – حول مفهوم الزواج وتكوين أسرة.
ونتيجة لما تطرقنا إليه معا، عزيزي القارئ فالتفكير الطبيعي بالزواج لا ينبغي أن يكون هدفه سوى الاستقرار والبحث عن شريك حياة ومخزن أسرار، وإلا فلا زواج حقيقيا بل مجرد واجهة اجتماعية يختبئ المرء خلفها درءا “للعيب” غير الموجود أساسا في اختيار حياة العزوبية.
تَعسُّف في استعمال الحق
إن غالبية مجتمعاتنا الشرقية إذا ما نظرنا إليها بعين التجرد، سنلاحظ أنها تكرس مفهوم بِر الوالدين، في صورة العبودية المطلقة؛ ومنحت بالتالي الوالدين فرصة التعسف في استعمال هذا الحق، عبر مصادرة حقوق الأبناء في اختياراتهم ومصائرهم، على اعتبار أنهم -الوالدان- مفتاح الجنة، فحتى عندما يطلب الأب طلبا من ابنه يجعله مصحوبا بنبرة الأمر وشيء من الغلظة، حتى وإن كان الطلب في ساعات مزاجه المعتدل، وذلك لظنه بأنه صاحب الفضل واليد العليا والطاعة النافذة والواجبة بلا نقاش.
أنت مريض؟
في أحد الأيام وبينما كنت في إجازتي مع الأسرة – حيث أنني أمضي أغلب الأوقات مسافرا خارج البلاد في دراسة أو عمل – وفي إحدى المناسبات الاجتماعية، جاء أحد أقاربي وجلس إلى جواري وبدأ يعزف مقطوعته المعتادة عن الزواج مستدلا بحاله “الرايق” وعياله الكثر ولا ينسى أن يفتل شواربه بين الفينة والأخرى، ويرسل ابتسامات بلهاء لتظهر أسنانه التي اصفرت بفعل سجائره الرخيصة التي لا تفارق شفاهه، ومال علي وبصوت منخفض، وبابتسامه صفراء تحمل إيحاءات قذرة قال لي: “كنك ياراجل ماتبيش تجوز؟ فيك شي حاجة؟ مريض؟ قولي ما اتحشمش” عندها لم يخطر ببالي سوى رد واحد، وقد كان صفيقا كصفاقة السؤال وطريقة طرحه واختيار مكانه، نعم الجواب هو ما خطر ببالكم يا أعزاء، وبعد أن ألجمه ردي عن الكلام، قام مستشيطا وأبدى استغرابه مني!، فهو لديه 5 أبناء ويبحث عن زوجة ثانية، وأنا لست رجلا فأنا لا أفكر حتى بالزواج بواحدة!، وغادرني سائرا بزهو كتيس يقود قطيعه إلى المذبح وهو يظن أن قرونه ستنجيه من الهلاك.
أجيال منكسرة
ما كتبته سابقا قصدت من ورائه أن تستشعر خطورة ما نعيشه من واقع في حياتنا الاجتماعية، والذي ينعكس بدوره بشكل مباشر على كل مناحي الحياة، فالأسرة أساس المجتمع وأفرادها من يرسمون شكل المجتمع ويحددون مصيره، ومع استمرار إنتاج أسر بهذا النوع فإن ما سينتج عنها لن تكون إلا أجيالا منكسرة ومهانة – فقد تعودت على أن تُقاد في صِغرها وتمارس الدكتاتورية في كِبرها – وهي لا تفكر سوى بالتكاثر ودرء التهم التي توجه للعازبين، ونتيجة لذلك سيكوّن لدينا أشباه بشر لم ينجحوا في بناء بيوت سليمة وبالتالي لم يبنوا أوطانهم، ولم يحبوا بعضهم لأنهم لم يحبوا أنفسهم أولا.
ما الحل؟
أخيرا عزيزي العازب لا تتزوج إلا لتبحث عن الاستقرار ولتجد من يشاركك حياتك وهمومك ويزيد حياتك سعادة وبهجة ، أما أنت يا صديقي المتزوج فلا بد لك أن تعلم أن الآوان لم يفت بعد، غير نظرتك لحياتك وأظهر حبك لشريكتك ولأبنائك وسيتغير كل شيء، ولكن ثق وتأكد بأنك إن وصلت إلى هذه الكلمة في مقالي هذا فأنت تؤمن بأهمية التغيير وبأنك ستتغير.