لغز اللواء السابع
محمد محمد المفتي
لعل الغموض، هو الصفة الغالبة التي يرددها المحللون في تعليقاتهم وتخميناتهم عن حرب طرابلس الحالية. ثمة عنصر المفاجــأة ولا شك.
كل ذلك جعل البعض يتوسلون للنظرية التآمرية لتفسير ما يحدث، وترجيح دور فرنسي أو أميركي أو كليهما. وليس الاستنجاد بمؤامرة ما بالأمر العجيب. ففي عالم اليوم لا شيء يحدث على المستوى العسكري أو الصناعي دون علم وبصر الأقمار الصناعية والتصوير الجوي بطيار أو بدونه. ولا حرب دون صواريخ وأسلحة متطورة وثقيلة، وهذه لا يمكنك الحصول عليها دون علم من يملكون التقنية. ومع ذلك فلا يمكننا إغفال البعد المحلي.
اللافت، أن حرب الضواحي تدور في شبه صمت رسمي من الدول الغربية والأمم المتحـدة. نعم هناك تنديد اسمي بالعنف، وتعبير عن قلق، وحث على حقن الدماء وحرص على حماية المدنيين. وللأطراف الدولية حق في ذلك فقد ذاقت ذرعا بحالة عدم الاستقرار.
لكن ما حققه الجيش في ترهونة، يؤكد من جانب آخر أن العقول الليبية المدبرة كانت على درجة عالية من الحرفية والصبر والسرّية والتمويه، هذا من الناحية المهنية بغض النظر عن الغايات السياسية.
وفي الحقيقة لم يكن الأمـر غامضا بالكامل. فقبل شهور جرى عرض عسكري في ترهونة. وقتها راودني سؤال: من يعد قوة بهذا الحجم والتنظيم، لا يمكن أن يكون هدفه مجرد استعراضها فقط؟ غير أن الاستعراض مر دون كثير اهتمام. ولا أعتقد أن أحدًا سأل لماذا وما هي الرسالة المضمرة؟ ربما لأن لا أحد توقع أن تخرج علينا ترهونة بمشروع لحل أزمتـنـا المستحكمة.
أما سبب تجاهلنـا وإغـفـالنا لمغزى استعراض جيش ترهونة فـهـو الضجيج الذي هيمن على المناخ السياسي والإعلامي، نتيجة تمادي من تصدروا المشهد إلى درجة الوقاحة. كما أن الإحساس بالعجز ولّد فينا شعوراً بالغضب غذتـه مشاهد طوابير السيولة والغاز والبنزين، والمعاناة اليومية. أما نهب المال العام فقد أكـده وزراء وسفراء الدول الصديقة والمبعوث الأممي.
عدم اكتراث الساسة تمثل أيـضـاً في تصريحاتهم العبثية واهتماماتهم الجهوية ونهمهم للمناصب وبؤس لغـتهـم وأدائــهـم ورحلاتهم المدفوعة الثمن، ومؤتمراتهم الهلامية.
العنصر الثالث الذي يَسر للواء السابع اجتياحـه لطرابلس هو فقدان مليشيات طرابلس لما تبقى من ثـقــة ومحبة لدى الناس، جــراء ما ارتكبوا من تجاوزات علنية وصبيانية ودامية. أما مصداقية الرئاسي فلم تدم أصــلاً سوى بضعة أسابيع لأن ملابسات ظهوره كانت مشــؤومة منذ البداية، وفي ما بعد ظـل أداء الرئاسي سيئاً على المستوى الإداري والسياسي (مثلا كم زيارة قاموا بها للدواخل أو إلى بــرقــة أو فــزان؟) كما بقيت مسيرته مرقشة بالكذب والفضائح.
صمتُ قادة ترهونة واستخفاف خصومهم إذن، هيّأ في مجموعه لنجاح اللــواء السابع، الذي قَدِم إلى طرابلس تحت شعار “تطهـيـرها من دواعش المال العام”.
اللافت إلى الآن، هو تطور العمليات دون ضجيج، مع إصرار مقتضب من اللواء السابع على ضرورة تسليم ميليشيات طرابلس لسلاحها وخروجها من العاصمة وبالتالي من أروقة السلطة.
لكن الصمت لن يدوم طويلاً خاصة بعد أن تخمد أصوات المدافع. وسيبرز السؤال: ما الذي سيحدث بعد سيطرة اللواء السابع؟ وهذا ما ستتناوله التخمينات، والأمل أن يتم الانتقال إلى دولـــة متحضرة ومنضبطة ومتماسكة، غـيـر أن الأمر سيحتاج لوقت.
ويحضرني هـنــا المثل الإنجليزي الذي يقول أنه كلما تغيرت الأمور كلما بقيت كما هي! ففي بنية الدولة هناك رئيس ووزراء وإدارات ومصرف مركزي إلخ. وطـبـعــا ستتغير الوجوه، لكن المناصب ستبقى. والوظائف تفرض سلوكيات ومواقف، لأسباب مصلحية أو لقناعات مهنية، وربما ستتكرر التحيزات الجهوية في توزيع الميزانية.
إذن، عملية اللواء السابع ليست إلا الخطوة الأولى، ركلة لباب غرفة معتمة مقـفـلة وربما منتنة، مليئة بالتراب والحشرات، ولكي تصبح الغرفة آمنة وقابلة للحياة لابد من إشراك عدد أكبر.
وإذا كانت مبادرة اللواء السابع، مبادرة ذكية وجسورة وشجاعة، فإنها تحمل في ثناياها أيضا تعقيدات كثيرة، ستحتاج لتجاوزها الكثير من العـقــل والحكمة والتسامح والصبر.
وحفظ الله ليبيا