لعبة أردوغان الخطيرة مع الاقتصاد التركي
جلدم أتاباي شانلي
يثير حماس رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول للقضاء على ميول التضخم في الولايات المتحدة، من خلال رفع أسعار الفائدة الأميركية بما يصل إلى 4 مرات خلال العام الحالي، حالة من الفزع في الأسواق الناشئة التي يبدو أنها مقبلة على فترة عصيبة وخاصة تركيا في ظل أوضاعها الاقتصادية الهشة.
وقد ازدادت تلك الصورة قتامة هذا الأسبوع، حين أعادت البيانات الرسمية للبنك المركزي التركي تذكير المستثمرين المحليين والأجانب بأن التضخم أحادي الرقم أصبح شيئا من الماضي، وكشفت أن تضخم أسعار المستهلكين لشهر فبراير الماضي يقف حاليا عند 11.9 بالمئة.
تلك الأرقام فاقمت حالة التشاؤم في أسوق المال، خاصة أنها جاءت بعد تثبيت البنك المركزي لأسعار الفائدة، رافضا الاعتراف بالحقيقة البسيطة القائلة إن القوى الناجمة عن التضخم المرتفع تواصل دفع الأتراك بعيدا عن الليرة نحو العملات الصعبة، وهو ما يكرس الحلقة المفرغة التي يدور فيها الاقتصاد التركي.
ويضاف إلى هذه الصورة القاتمة زخم تضخم أسعار المكونات والمواد الأولية والسلع الوسيطة، الذي بلغ الشهر الماضي نحو 17 بالمئة على أساس سنوي. ولذلك فإن قرار البنك المركزي التركي إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير يعني أن مكافحة التضخم في تركيا أصبحت قضية خاسرة.
ومع ذلك يصرّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على عزمه خفض أسعار الفائدة من أجل خدمة أجنداته السياسية خاصة في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية في العام المقبل.
وقد عاد أردوغان بعد جولته الأخيرة في بلدان أفريقية، ليثير مرة أخرى قضية رفضه للمستويات المرتفعة لأسعار الفائدة في تركيا، وهو يعتقد أن أسعار الفائدة المرتفعة سبب رئيسي في بقاء التضخم في خانة العشرات في تركيا، وليس العكس، في صدام مباشر مع الحقائق الاقتصادية.
وطبقا لخطط غير منشورة، فإن البنوك الحكومية سوف تضخ أموالا لخفض أسعار الفائدة في سوق الإقراض، تنفيذا لرغبة أردوغان، الذي يتهم البنوك في تركيا بتحقيق أرباح ضخمة عن طريق فرض أسعار فائدة مرتفعة غير معقولة على القروض.
وطبقا لمنطق أردوغان، فإن خفض أسعار الفائدة على الإقراض من المستويات الحالية التي تتراوح بين 18 و20 بالمئة من شأنه أن يدعم وتيرة النمو الاقتصادي ويؤدي إلى خفض معدل التضخم، وليس العكس.
ورغم أن معادلة التضخم مقابل أسعار الفائدة ليست بسيطة، إلا أن منطق أردوغان يتناقض مع النظريات الاقتصادية الأساسية، المعروفة باسم قواعد الاقتصاد الكلي البالغ عددها 101 قاعدة.
والتفاصيل الدقيقة لخطط أردوغان لخفض أسعار الفائدة غير واضحة، لكنه أشار عدة مرات إلى دور البنوك الحكومية بالذات. ويبدو أن تلك البنوك سوف تخضع لمشيئته لتنفذ الدور الأكبر في جهود خفض أسعار الفائدة على القروض.
ولا يوجد شك في أن مثل هذه الخطة التي تقضي بمنح الاقتصاد التركي دفعة مصطنعة ستكون لها آثار جانبية خطيرة. وستؤدي إلى تدهور ميزانيات البنوك، مما يضيف عبئا جديدا على الخزانة.
ومع إصدار أردوغان أوامر للبنوك الحكومية بخفض أسعار الفائدة على الإقراض، فإن هذا سيتطلب أيضا تعاون البنك المركزي لضرورات التنسيق. وإذا شملت تلك الخطط توفير سيولة إضافية من البنك المركزي لدعم النمو، فإن الجهود المبذولة لخفض التضخم ستكون معرّضة للخطر بصورة أكبر.
وتتأهب الحكومة، إلى جانب تلك التدابير النقدية، للمصادقة على عفو ضريبي ضخم لتعزيز الاقتصاد. وتتوقع الخطة أن يضخ 10 ملايين من دافعي الضرائب المدينين قرابة 26 مليار دولار في خزائن الدولة خلال الـ18 شهرا المقبلة.
كما سيتم إلغاء غرامات الفائدة وغرامات المرور والتزامات الضرائب الجمركية والسيارات وديون رسوم الطابع والتزامات الضرائب العقارية وديون القرض الطلابي وديون قرض المساهمة وديون ضريبة الدخل.
وفي الأسبوع الماضي، أصلحت الحكومة نظام ضريبة القيمة المضافة في تركيا الصادر منذ 33 عاما. وطبقا لوزير المالية التركي ناجي أغبال، فإن مشروع القانون الجديد ينص على أن الحكومة ستوزع عوائد ضريبة القيمة المضافة على دافعي الضرائب دون أي تأخير كبير.
وتقول الصحف القريبة من الحكومة إن ما يقرب من نصف المبلغ المستحق من ضريبة القيمة المضافة سوغ يتم تسليمه للشركات لكي تفي باحتياجاتها التمويلية قصيرة المدى. ومثل هذه المبالغ المالية الكبيرة لم يتم رصدها في ميزانية العام الجاري، حيث يُتوقع أن يصل العجز إلى 18 مليار دولار أي ما يعادل 1.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومثل هذه الخطوات على الجانبين المالي والنقدي تضيف إلى ما يمكن أن تكون الخطوة الأكثر خطورة من الناحيتين الشعبوية والاقتصادية لحزب العدالة والتنمية الحاكم طيلة فترة حكمه الممتدة إلى 15 عاما.
وتزداد الخطورة مع تسارع التغيرات في المالية العالمية في وقت تُضخم تركيا اقتصادها على حساب الانضباط المالي والتضخم المرتفع، حيث يسعى أردوغان إلى إغراق الاقتصاد بأموال “رخيصة” بتكلفة اقتراض منخفضة وبطرق لا تناسب الحقائق الاقتصادية.
خلاصة القول إن كل ذلك يعني أن أردوغان يعلب لعبة خطرة مع استقرار الاقتصاد التركي.