لعبة GTA V بقرة جفّ حليبها، وروك ستار لا تبالي!
بدون شك، لعبة GTA V هي واحدة من أعلى الألعاب مبيعًا في تاريخ الصناعة بأسرها. وبها استطاعت روك ستار أن تضع بصمتها بقوة على مختلف منصّات اللعب. ومنذ إصدارها في 2013، وحتى الآن، لها مكان في قائمة أكثر 10 ألعاب مبيعًا على مستوى العالم، لكل عام يمر. لكن للأسف، هذه اللعبة في نظر الكثير من اللاعبين، انتهى وقتها، والآن حان وقت الجزء الجديد. الآن يجب أن تُصدر روك ستار لعبتها الجديدة في السلسلة، ولا يجب عليها الاعتماد على نجاح الجزء الخامس فقط.
روك ستار مجددًا تتعامل مع GTA V على أنها بقرة تستطيع إنتاج المزيد والمزيد من اللبن على الدوام. ومن الناحية الأخرى، اللعبة هي بقرة جفّ حليبها فعلًا، ومحاولات حلبها من قبل روك ستار في الفترة الماضية، مخزية للغاية، وتجعل مكانتها بين شركات الألعاب، سيئة بشدة.
ماذا فعلت روك ستار لحَلب اللعبة؟
في خطوة تُعتبر ذكية جدًا، وغبية جدًا أيضًا من روك ستار، قررت إصدار اللعبة بشكلٍ مجانيّ على متجر Epic الشهير. وقتها كانت أشهر لعبة (أونلاين) على المتجر هي Fortnite بالطبع، حيث إنها هي التي شهرت المتجر في الأساس. لكن بعد صدور GTA V، باتت تناطحها رأسًا برأس. حيث إن GTA تتميز بطَور لعب الأونلاين غاية في القوّة والجمال، حتى بعد مرور سنين وسنين على اللعبة. لكن ذكاء روك ستار لم يقف على إصدار اللعبة فقط، بل أيضًا إصدار نسخة Premium منها، مع مليون دولار بداخل اللعبة، وبيوت ومركبات موجودة بالفعل في حسابك تستطيع استخدامها في أي وقت.
هذا عمل على خلق موجة غضب عارم في مجتمع اللاعبين، خصوصًا الذين اشتروا اللعبة خلال عرض Steam الذي سبق صدور اللعبة مجانًا بعدة شهور قليلة فقط. ولم تقم الشركة بتعويض الملّاك السابقين اللعبة أبدًا، لم تفعل مثل كونتر سترايك مثلًا. حيث عندما صدرت مجانًا للجمهور، تمت مكافأة اللاعبين القدامى بتميمة بداخل اللعبة.
وعندما اعتقد الجميع أن روك ستار أخيرًا ستترك اللعبة، وستكتفي بحصد فتات النقود المدفوعة من قبل لاعبي Epic في الطَور الأونلاين، قررت الشركة طعن الجميع في مقتل مرة أخرى. ماذا فعلت هذه المرة يا ترى؟ كيف استفزت الجمهور للمرة الألف يا ترى؟ أجل، بالضبط: سوني!
منذ أيام تم بثّ الحَدث الأونلاين لإطلاق الـ PS5 المنتظر منذ شهور وشهور. وبدلًا من استغلال سوني للزخم الذي حصدته خلال فترة طويلة من الصمت لصالحها، قررت استغلاله لصالح روك ستار، بهدف لفت نظر الجمهور للألعاب التي ستأتي لاحقًا كنِتاج للشراكة بينها وبين روك ستار. وبالفعل، افتتحت الحَدث بإصدار نسخة جديدة محسنة من GTA V للجهاز الجديد. مع الحرص على مكافأة لاعبي نسخة الـ PS4 بمليون دولار شهريًّا منذ وقت الحَدث، وحتى صدور اللعبة الجديدة، كنوع من التعويض.
والجدير بالذكر أن الإعلان عن النسخة المحسنة من اللعبة للـ PS5، قابلتها على وسائل التواصل الاجتماعي موجة سخرية وضحك غير طبيعية. ولأيام متواصلة، كانت التسلية الوحيدة لمجتمع اللاعبين هي الـ Memes المتمحورة حول سوني وحلبها للعبة GTA V. ونفس اللاعبين الذين لم يتورعوا عن انتقاد الـ Xbox وتشبيهه بالثلاجة الصغيرة، هم الذين جعلوا سوني أضحوكة أيضًا.
بالرغم من تعلم روك ستار من خطأها السابق في Epic، وتقديمها تعويضًا للاعبي الـ PS4، إلا أن الفعل ذاته مخزٍ بطريقة لا يمكن السكوت عليه. بدلًا من أن تقوم الشركة باحترام الجمهور، وتقديم GTA 6 في أقرب وقت، قررت الاستمرار في حَلب اللعبة الجديدة حتى آخر قطرة. أجل، من الطبيعي عقد شراكة مثمرة مع سوني مرة أخرى، لكن هل ستكون الشراكة الافتتاحية هي الاستمرار في استغلال عنوان قديم؟ عنوان الآن سيكون قد مر على ثلاثة أجيال بلايستيشن كاملة؟ الأمر غير منطقي، ويدل على أن روك ستار ربما في يومٍ ما ستتوجه لصنع ألعاب تجارية بحتة، وربما فعلًا ستُسقط عن نفسها لقب (أسطورة ألعاب القصص)، الذي احتفظت به لنفسها، سنينًا خلف سنين.
سرّ التمسك الشديد بـ GTA V
في الواقع، عند الحديث عن سر تمسك روك ستار باللعبة إلى هذا الحد، تجتاح العديد من الأسباب ذهنك على الفور. لكن أبرزها فعلًا هو أنها ما زالت حيّة، وما زال الناس يشغلون سيرفراتها ليل نهار، ويدفعون الأموال فيها. ولهذا السبب بالتحديد، تقاعست الشركة عن إصدار الجزء السادس حتى الآن.
روك ستار تعلم أن لعبتها تقدّم عالمًا مفتوحًا فريدًا من نوعه للغاية، وتعمل على طرح تجارب (لعب جماعية) فريدة من نوعها أيضًا. يتميز طَور اللعب الأونلاين بإمكانية الدخول في العديد من الأنشطة الاجتماعية مع اللاعبين الآخرين، والأمر كله يتم عن طريق الهاتف الافتراضي بداخل اللعبة. أي أن الشركة استطاعت بنجاح نقل تجربة الحياة الواقعية التي قدمتها في طَور القصة، إلى طَور اللعب الأونلاين.
لذلك من الناحية النفسية، تمكنت من تقديم (واقع بديل) للجمهور. تخيل كم مراهق على مستوى العالم يلعبها؟ ثم تخيل كم مراهق متدهور نفسيًّا يلعبها؟ أجل، الرقم بالتأكيد كبير. وذلك نظرًا للظروف التي يمر بها المراهقون على مستوى العالم، والتي تتمثل في النبذ والتنمر، سواء من الأسرة أو المجتمع ككل. والنتيجة الحتمية لتلك الحالة النفسية هي الانعزال، وبحث المراهق عن واقع بديل نوعًا ما. وبالفعل، يجد واقعه البديل في عالم GTA V المبني على لعب المهام، حصد الأموال، والشعور بالقيمة التي لا يحصل عليها في الواقع المعاش.
هنا يظهر السر الحقيقي لتمسك روك ستار باللعبة: أنها تخطت كونها مجرد لعبة.
العامل النفسي هو الذي تلعب عليه الشركة دائمًا، ولهذا خطوة إصدار اللعبة مجانًا على Epic هي تميل ناحية الذكاء أكثر من الغباء. أجل تم استفزاز الجمهور، لكن تم تحقيق زخم. وذلك لكونها صدرت مجانًا في فترة العزل المنزلي لفيروس كورونا المستجد. وماذا يحدث عندما تحبس شخصًا ما في مكان واحد لفترة طويلة؟ بالضبط، يصاب بالاكتئاب أكثر وأكثر، ويشرع في البحث باستماتة عن مهرب. وهنا تقدم له روك الستار المهرب مجانًا، وفوقه امتيازات كثيرة أيضًا.
هل هناك تبعات لما فعلته روك ستار؟
المحزن في الأمر، هو أن شركات الألعاب تقلد بعضها البعض. وروك ستار شركة رائدة، فبالتالي من الممكن جدًا أن يتم تقليدها من قبل شركات أصغر. خصوصًا إذا مرت الأيام، وحققت نسخة GTA V الخاصة بالـ PS5 نجاحًا، هذا سيجعل الأمور تخرج عن السيطرة تمامًا. وقتها ستقوم روك ستار بعمل سيرفرات إضافية للعبة، وحِزم جديدة بداخل اللعبة موجهة تحديدًا لمُلّاك الـ PS5، وهذا سيخلق سوقًا جديدة لنفس اللعبة القديمة، لكن مع الجيل الجديد.
إذا حدث هذا فعلًا (ومتوقع بنسبة كبيرة أن يحدث)، ستقوم شركات أخرى في المستقبل القريب بتبني نفس نهج روك ستار مع سلسلة GTA عمومًا. فإذا صدرت لعبة جديدة بها طَور لعب الأونلاين جذّاب ومميز، وحققت مبيعات كبيرة في الجيل الذي صدرت فيه، على الأغلب سيتم تجددها للجيل القادم، والقادم، والقادم، حتى تصير اللعبة مجرد خيال في حقلٍ من التكرارية المزعجة.
هذا ليس تحاملًا على روك ستار أبدًا، لكن الجيل الجديد فعلًا يستحق ألعابًا جديدة. والسياسة التسويقية التي تتبعها الشركة الآن تجعلها شركة جشعة في نظر الجمهور، وهذا غير مفيد للسمعة التي يجب أن تحرص الشركات جدًا على بنائها بإيجابية. خصوصًا إذا كانت شركات لها مكانة كبيرة في قلوب اللاعبين، مثل روك ستار.
وفي النهاية، لا يجب ظلم روكستار بشدة
لا يجب ظلم روك ستار كشركة مهولة نظرًا لسياستها المالية الجديدة. فقد أصدرت الشركة مجموعة من الألعاب الممتازة في الفترة من 2003، وحتى 2013. بينما من 2013 وحتى 2020 لم تصدر إلا لعبتين فقط، وحققتا مبيعات هائلة للغاية. وبالطبع هنا يجب التحدث عن لعبة Red Dead Redemption 2، والتي أثبتت أن روك ستار هي ملكة ألعاب العالم المفتوح، وبدون منازع. وذلك نظرًا للتفاصيل المذهلة التي أغرقت بها اللعبة، والواقعية المفرطة التي تميزت بها.
كما أن لروك ستار مكانة كبيرة في قلوب اللاعبين، خوَّلتها من حصد ملايين المشاهدات على يوتيوب. حيث عندما لم تشارك في معرض E3 للألعاب خلال السنوات الماضية، أتت مشاهدات مهولة على فيديوهات إطلاق الألعاب على قناة يوتيوب. وبهذا وفرت الشركة ملايين الدولارات المنفقة على عروض E3، وبالتأكيد وجهتها لمنافذ استثمارية أخرى تفيدها كمطور ألعاب ضخم.