لا عزاء لسبايانا
أتاحت لي سنيّ عمري تتبعَ العديدِ من جولات انتخابات الرئاسة الأميركية وغالبا كان الاهتمامُ بها عاما ينطلق في العموم من موقف رئيس أقوى دولة في العالم من القضايا العربية التي ظننا أنها تشغل العالم كما تشغلنا، إلى اكتشفتُ مع غيري من المساكين، أنهم متماثلون في هذا الشأن ولن يقيم أحدٌ لنا وزنا ما لم نُغيّر ما بأنفسنا، وهو ما يبدو من المستحيلات لأسباب شتى. لكن متابعتي اللصيقة هذه المرة لانتخابات الرئاسة في دولة على مبعدة آلاف الأميال، وأنا الذي لديّ في بلدي من المشاكل ما يشيبُ له الوِلدان كانت لأسباب مختلفة تماما، ولهذا جزعتُ للنتيجة وخاب أملي لضياع فرصة ثمينة ونادرة الحدوث. لم يكن مصدر جزعي ما قيل من سوء عن الرجل وتاريخه المضطرب، ولا تهديده بطرد المهاجرين المساكين، ولا عزمه بنا جدار عظيم بينه وبين جيرانه الجنوبيين في الوقت الذي هلل فيه العالم (الحر) بهدم جدار برلين، فأنا على قناعة تامة أن ترامب سيمتثل مرغما للمؤسسة الهائلة التي تدير أكبر المجتمعات الديموقراطية في العالم. حيث ستتبخرُ الدعاوي والخطب الرنانة حول السياسات الخارجية، وسيقبل مرغما بالاتفاق النووي الإيراني الذي انتقده بشدة خلال الحملة، وسيحاول كما وعَدَ مدّ يده لروسيا قبل أن يكتشف أن الدبّ الروسي خرج من القمقم ولن يعود إليه ما لم يحقق الاعتراف بدوره وأهميته، وعندها ستشتعل الحرب الباردة من جديد. وسينجح ترامب في تطبيق إنجازاته في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال في استعادة هيمنة أميركا على اقتصاد العالم… كل هذا أمرٌ جيد للأميركيين وربما للعالم، لكن ما أحزنني في خسارة هيلاري كلنتون في تبوّأ المركز الأهم والأعلى في العالم، هي الفرصة التي ضاعت على النساء بصورة عامة، فكان يمكن أن تأتي هيلاري في حال فوزها بصورة جديدة للمرأة، بل وحتى قوانين ولوائح تعمل لصالح الإناث وترفع من مستواهن. وإذا كان العالم الآخر قد حقق تقدما في هذا المجال وصارت النساء ندّا للرجال الذين يحسبونها (ألف مرّة) قبل هضم حقوقهن، إلا أنّ الإناث في مجتمعاتنا المتخلفة لا يزلن يخضعن لعبودية معلنة وغير ذلك، ففي عقول الكثيرين منا لا تزال صورة (الحريم) والسبايا “معشعشة” لارتباطها بموروث ثقافي وديني، وتاريخٍ طويل من العيش على هامش الحياة، فالسبيُ المخجلُ الذي يمارسه داعش علنا رابطا إياه بتعاليم الدين، لازلنا نمارسُه بشكل مقنن ومقبول اجتماعيا على إناثنا المسحوقات اللاتي شاء حظهن العاثر أن يولدن في الزمان والمكان الخطأ. مصدر الإزعاج الكبير أن هذه كانت فرصة عظيمة قد لا تتكرر في التاريخ القريب، ذهبت أدراج الرياح، ولا عزاء لسبايانا.
فرج عبدالسلام