لا ثقة بين المواطن والدولة؟
رمضان كرنفودة
انعكاسات الواقع الليبي الداخلي بين المواطن ومؤسسات الدولة، وأصبح هناك أزمة ثقة حقيقية بين المواطن من خلال عدم مصداقية المؤسسات التشريعية أو التنفيذية، وأصبح المواطن الليبي معلق الآمال والطموحات والاحتياجات اليومية من خلال وعود وقرارات وتصريحات من الأجسام التشريعية والحكومات التنفيذية المتعاقبة من 2011 وحتى الآن. وفشلت تلك الأجسام وفقدت مصداقيتها وثقتها أمام الشعب بعدم تحقيق المتطلبات المنوطة بهم تجاه المواطن الليبي.
ليبيا تعيش في هذه المرحلة أزمة حقيقية إلى جانب الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وهي أزمة ثقة في كيفية بناء الدولة من خلال الوعود والعهود التي قطعها المترشحون للمناصب في الحملات الانتخابية من خلال الشعارات والبرامج بتوفير كل الخدمات للمواطن، مثل: الأمن والإسكان والمواصلات وغيرها من متطلبات المواطن الليبي في المرحلة الانتقالية، مما جعل المواطن من خلال حياته اليومية وما وصل إليه الآن أصبح المواطن لا يصدق أحدًا سواءً تشريعيًا أو تنفيذيًا.
وبعد الصراعات السياسية في ليبيا التي وصلت إلى الاقتتال بين الليبيين وتجاذب التيارات والمصالح التي ساعدت في عدم ثقة المواطن الليبي بالمؤسسة السياسية والذي انعكس على نفسية المواطن ربما نصل إلى حد الوصف الحقيقي لهذه الأزمة أنها أزمة ثقة، وأصبح المواطن البسيط الذي ينام أمام المصارف ويقف في طابور البنزين لساعات، ولا يجد دواء، إضافةً إلى انقطاع الكهرباء عنه لعدة أيام، يطيق في هذا الوقت سماع كلمة سياسي مخلص أو مستقل أو صاحب مبادرة أو له خبرة ورجل وطني.
التطورات الأخيرة والجديدة على الليبيين من خلال التحول الديمقراطي، ووضع سكة قطار بناء الدولة على طريق ألغام انفجرت الآن في الشارع الليبي من خلال معاناة الناس وهمومهم اليومية من الوضع المتردي، بسبب عدم تنفيذ الوعود التي قطعها التشريعي أو التنفيذي لهم وأصبحت مجرد أحلام وأمنيات يتطلع لها الموطن بضحكة صفراء كل يوم.
وفي ظل التحول السياسي والتجربة الانتخابية اكتسبت الحكومة ثقتها في الانتخابات من قبل الشعب ونوابه في البرلمان، وأقسمت الحكومة على أن تؤدي مهامها بما يلائم طموح الشعب، وأن أي خلل في أداء تلك المهام والوظائف يعتبر خرقًا وتقصيرًا في حقوق الناس. وعلى الناس إعادة النظر فيما طرحته من ثقة ورؤى وتصورات في صناديق الانتخابات؛ لأن الأداء السياسي والإداري بالنتيجة لم يرضِ طموحاتهم ولم يلبِ احتياجاتهم الإدارية الخدمية. واليوم المواطن الليبي يعيش حالة من تطور الظواهر التي تهدد حياته وتهزم طموحاته بالحياة، وهي «الفقر والبطالة وأزمة السكن وتدهور الأمن».
فقد تجاوزت البطالة أعداداً كبيرةً في صفوف الشباب بكلا الجنسين فهناك آلاف من الخريجين وغير الخريجين يتربعون على قارعات الطرق تعصف بأفكارهم هواجس عقيمة ليس لها حدود، ربما تؤدي إلى ضياع حقيقي لهم ولمجتمعهم. وكذلك قلة السكن وسوء صلاحيته للاستخدام الآدمي، وانعدام توفر المياه الصالحة للشرب، وانقطاع التيار والكهرباء لعدة أسابيع كل تلك الظروف تؤدي بالمواطن إلى حالة من اليأس بالاستمرار الحقيقي للحياة، والوضع الأمني المتدهور الذي ساعد في بناء الجريمة المنظمة من قتل وخطف وسرقة والاعتداء على ممتلكات الدولة والمواطن وتعطل القضاء والأجهزة الأمنية.
وعلى الرغم من وجود برلمان منتخب إلا أن هذا البرلمان لا يمثل الوجه الحقيقي للشعب؛ لأنه بعيد كل البعد عن طموحات الشعب الليبي وهمومه ومتطلباته. والبرلمانات في كل دول العالم تمثل صوت الشعب الحر وعيونهم الرقابية على سير عمل الحكومة المسؤولة عن الخدمات الضرورية وإدارة مؤسسات الدولة. في حين نرى أن البرلمان الليبي دخل في الصراع السياسي على السلطة ولم يقمْ بهذا الدور الحقيقي، حيث نرى هناك تصادمات وتجاذبات وغزل سياسي بين الكتل فهناك الكثير من القوانين الضرورية المعطلة تحت قبة البرلمان بسبب التصادمات والصراعات السياسية.
أصبح العالم والمنظمات الدولية تبعت برسائل مباشرة أو غير مباشرة آخرها كان إحدى نقاط مبادرة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة الانتخابات، ولكن قبل أن نبدأ في ترميم تصدعات 7 سنوات في محاولة بناء دولة ديمقراطية، لا بد من وجود ترميم للبناء الديمقراطي وهو إعادة الثقة بين المواطن والانتخابات، حيث إن المواطن الليبي خاض تجربة، وذلك بانتخابات المؤتمر الوطني العام في 2012 ولم تنفذ رغبات ومتطلبات المواطن وكان الخروج من تلك الأزمة بانتخابات مجلس النواب، واتجه المواطن إلى صندوق الاقتراع من أجل أن ينتخب جسمًا تشريعيًا يفرز جسمًا تنفيذيًا للحصول على المتطلبات اليومية والخدمية.
خلال فترة البرلمان زاد الانقسام السياسي في ليبيا وصار فيها جسمان تشريعيان وحكومتان، وتناسى الاثنان العهود والحملات الانتخابية للمواطنيين، حتى أصبح المواطن الليبي لا يثق ببرلمان ولا حكومة بسبب الصراع بينهم من أجل المصالح والمناصب.
هناك حاجة ملحة ضرورية الآن خصوصًا في هذا الوضع وهو كيفية بناء الثقة بين الناخب الليبي وصندوق الاقتراع؟ وتهيئة الليبين إلى مرحلة انتخابات ربما تكون هي طوق النجاة للخروج من هذا النفق المظلم، وعلى مؤسسات المجتمع المدني التوعوية وكذلك وسائل الإعلام بكل أنواعها ومن سببوا في إفشال المسار الديمقراطي أن يعملوا على كيفة إعادة وحث المواطن على الانتخابات، وأن الفترة الماضية تجربة وعلينا نجرب مرة أخرى حتى نصل إلى بر الأمان.
ليبيا الآن بحاجة إلى عملية ترميم والترميم صعب جدا أصعب من البناء، ولكن هو حالة سريعة ربما تعالج الوضع الراهن ولكن يحتاج إلى استراتيجية هدفها المواطن ومن أهمها المكاشفة والمصارحة أمام المواطن في طرح كل المعوقات التي وقفت أمام تحقيق رغبات الشعب الليبي، ومنها تكون بداية المسطرة لإعادة الثقة لليبيين وصناديق الاقتراع وعدم العزوف عنها حتى نضمن انتخابات يشارك فيها الشعب وتعتبر النهج الديمقراطي الصحيح والانتخابات هي الوسيلة الوحيدة التي تنقلنا من الخوف والظلام إلى الأمان والنور، ومن أجل ذلك علينا ببناء جسر الثقة أولًا قبل الذهاب إلى الانتخابات، وفي نهاية المطاف لا تكون الدولة إلا نتيجةً للانتخابات.