لا أسوأ من الخوف كالخوف من الخوف
أمين مازن
لم تتحرج القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في ليبيا عن إبداء استيائها مما يتعرض له المال العام الليبي من التبذير على أيدي الكثير ممن يتولون أرفع المسئوليات السياسية، أولئك الذين يُفترض فيهم أن يتنافسوا في الحرص و يتسابقوا للاستقامة، فإذا بتقرير ديوان المحاسبة عن العام 2017 يسجل عليهم ما يندى له الجبين حينما ذكرهم الواحد تلو الآخر، عند نشر عينات من التقرير المشار إليه، متزامناً مع الاجتماع الذي عُقد بتونس قصد توحيد المؤسسات الاقتصادية.
أثناء مشاركتهم في الاجتماع والذي كان من بين حاضريه الخبير الاقتصادي المعروف، مؤسس سوق الأوراق المالية، الدكتور سليمان الشحومي، و الذي ما لبث أن أباح بما واجهت به الدبلوماسية الأمريكية الذين حضروا الاجتماع و طالتهم ملاحظات ديوان المحاسبة، و ذلك في المقابلة التي أجرتها فضائية 218 حول فحوى التقرير من الفضائح على حد تعبير الشحومي و التي دفعته إلى التخلِّي عما اشتُهر به من حرص على التماس العذر لأي شبهة من شبهات التجاوز والاقتصاد في أحكام الإدانة، فإذا به أمام ما اصطُدِم به من المخالفات لا يتردد في الإعلان عما يساوره من القلق و يدفعه إلى التشاؤم و حتى اليأس.
فقد ثبت لدى الشحومي بعد هذه المشاركات الكثيرة في بحث ما يجري من سوء التصرُّف و ما ينتج من رديء النتائج أن الأحوال لا تراوح في مكانها و حسب، و إنما تسير إلى الخلف بقوة، خاصة وأنه سيكون بين الذين ما يزالون يذكرون التقرير السابق لديوان المحاسبة ذاته والذي صدر قبل أكثر من سنتين و كان هو الآخر ضاجاً بصريح الملاحظات التي طالت تصرفات أكبر الرؤوس المسئولة.
ذلك التقرير الذي أفردتُ له على الصعيد الشخصي مقالاً ظافياً بصحيفة فبراير عندما كانت تصدر بشكل دوري و قبل أن يتم وأدها بعدم طباعتها للامتناع عن تسديد فواتيرها من قبل الجهات المشرفة على الصحافة وصمت الجهات العليا التي لم يخجلها عدم وجود صحيفة يومية في البلاد كما هو الحال في كل الدنيا، حيث الحرص على وجود صحيفة يومية يأتي على رأس الأولويات بدل الفضائيات الميتة التي ليس لها من تأثير يذكر وهي تعرض أخبار المسئولين و صورهم بشكل مستفز وخال من أي ذوق.
و كما لم تتحرج القائمة بالأعمال الأمريكية من حديثها الذي يمكن وصفه بالتوبيخ، لم يستنكف الذين حضروا اللقاء و يروا فيه ما حمله من التدخل السافر، ليقينهم أولاً بأن ما أغرقوا فيه من سوء الأداء ليس كثيراً عليه مثل هذا التوبيخ، فما دام الأمر لا يتجاوز الكلام فهو هيِّن بدون شك، و”فاعل العيب راضيه” كما يقول المثل الشعبي.
أما الذين يدركون أن هؤلاء لا يقولون قولاً إلا و يلحقه الفعل، فإن شيئاً من الارتياح قد خامرهم بلا جدال، فما دام الإيغال في الإساءة قد بلغ هذا المستوى، فإن المشاركة في العلاج آتية لا ريب فيها، و ليس ذلك من قبيل التمني، فحسب المرء أن يتذكر تصريحات أوباما في بداية الربيع العربي لكل من طالهم رياحه في قوله بأن عليهم أن ينصتوا لشعوبهم ومن بين ذلك ليبيا وما عرفته تلك الأيام من مقابلات هيلاري كلينتون مع معظم الذين تصدروا المشهد و استلموا لاحقاً المسئولية، و فعلوا ما طاب لهم أن يفعلوا مما آثار هذا القدر من الإستياء.
فيتأكد أن الدعوة الحديثة بضرورة التوجه إلى صناديق الاقتراع ابتداء من رئيس الدولة الليبية، فإن البديل سيكون حتماً من غير هؤلاء الذين انفضح أمرهم على هذا النحو، فلا مستقبل لمن أرجعوا أملاكهم بواسطة الكتائب المسلحة، أو الذين مكنوا ذويهم من أرفع المناصب أو الذين سُلِّمت لهم شُنط الدولارات في قوائم نشرتها وسائل الإعلام من المصارف العالمية، أما الذين عفّوا عن الطمع و ترفّعوا عن الظلم فليس لهم ما يخافون عليه أو يخافون منه، سواء سعوا لأنفسهم أو من يهمهم أمره. وأخيراً و ليس آخراً لا أسوأ من الخوف كالخوف من الخوف.