كعب أخيل
محمد العجمي
تتحدث الميثولوجيا اليونانية عن أخيل الذي غطسته والدته في نهر سحري يمنح جسمه الحماية من كل الصدمات، في القصة الأسطورية يجلب أخيل النصر لقومه، ثم يعتزل قتالهم، ثم يعود انتقاما لصديقه الذي قتل ويقتل في المعركة.
الأسطورة تتمحور حول مقتل أخيل الذي تنبأ به كاهن منذ صغره، والذي قال إنه سيقتل في إحدى المعارك، وهو ما قاد والدته لتغطيسه في النهر السحري ناسية غسل كعبه، ليصاب بسهم فيه في آخر معاركه ويموت نتيجة ذلك.
أصبحت تسمية كعب أخيل منذ ذلك الوقت كناية عن نقطة الضعف التي تهدد شخصا قويا أو حتى كيانا، وصار المصطلح دارجا في الأدب والسياسة بشكل واسع، وعند التحذير من اتخاذ قرار ما، أو الاستناد إلى شيء أو شخص، يشار إليه على أنه كعب أخيل الذي قد يقود التحرك برمته إلى الخراب الكامل والهلاك.
قصص نقاط الضعف لا تنتهي في الأساطير البشرية في معظم الحضارات وإن كان أشهرها كعب أخيل، لكن لطالما تناول البشر الحديث عن نقطة ضعف وحيدة لصرح أو بطل تودي به في نهاية القصة وكأنها إشارة تاريخية على عدم اكتمال الإنسان الذي ما فتئت التحديات تواجهه على مر مسيرة الحياة البشرية، وليس بعيدا عن الأذهان قصة الملك الذي ابتنى قصرا مهيبا وكان به حجر واحد كاف لتدميره لا يعرفه إلا البناء الذي أعدمه الملك مباشرة بعد انتهائه من بناء الصرح.
إن جازت جملة التاريخ يعيد نفسه، أو كما غيرت الفلسفات الأوروبية الحديثة وعلى رأسها الهيغلية، أن التاريخ يعاد ولكن بأشكال أخرى، شبهها الفلاسفة وكأنها حركة لولبية، يجوز إذا التوقع والتحذير في الآن نفسه من أن كعب أخيل سيتكرر ولكن من غير نهر مقدس ولا حروب أسطورية بين أثينا وطروادة وبدون العدو النبيل هيكتور وحتى خدعة الحصان.
يبقى أن تجاوز البشر لمرحلة كعب أخيل، وإدراك القضايا كاملا مستحيلا مادامت التجارب تعاد بذات الفكر الاندفاعي الانتقامي، خصوصا لدى الساسة الذين ما فتئوا يكررون تجربة البطل الإغريقي في الاعتماد على القوة والحماية المقدسة لشعارات الأيدولوجيات المختلفة، ثورية كانت أو دينية أو غيرها، دون التريث ولو للحظة للاستماع لمفكرين أو مخططين أو غيرهم ممن قد يرون الأمور من زوايا مختلفة لا يظل حينها الكعب نقطة ضعف.
من تحدث هنا عن الشرق الأوسط؟