قطر والإخوان والجنوب الليبى
جمال طه
السلطات الفرنسية تحقق مع «ساركوزى» لتلقيه خمسة ملايين يورو من «القذافى» دعماً لحملته الانتخابية 2007، الرئيس الأسبق اعترف بالتورط عسكرياً فى ليبيا، وتدبير فوضى فبراير 2011، للقضاء على جيشها، وأن دور من سماهم بالثوار اقتصر على التقدم بعد عمليات المسح التى أجراها الطيران الفرنسى.. «القذافى» عندما أفلت من ميليشيات مصراتة، ساعد الطيران فى القبض عليه وتخديره، وسلموه للمسلحين ليقتلوه.. الليبيون الذين شاركوا فى الفوضى كانوا قلة، إلى حد يبرر ادعاء رئيس الأركان القطرى بأن مئات الجنود القطريين شاركوا فى العمليات!!، وأن العقيد حمد بن عبدالله بن فطيس المرى، قائد القوات الخاصة القطرية، كان أول من دخل معسكر باب العزيزية، مقر «القذافى» بطرابلس، بعد إسقاطه، بصحبة الإرهابى عبدالحكيم بلحاج.. يدهشنى أن العرب يختارون ويمولون «خنّاقيهم».. فرنسا تراجع نفسها، لكن قطر تستكمل طريق الخيانة.. أيام سوداء، لا ندرى كيف للدهر أن يهضمها.
الاحتياطى النقدى الضخم لدى قطر «340 مليار دولار» منتصف 2017، ولّد طموحاً لا يتناسب ودولة قزمية.. رشحت عبدالرحمن العطية ليخلف عمرو موسى كأمين عام للجامعة العربية 2011، ومحمد بن همام لينافس «بلاتر» كرئيس للفيفا 2011، وحمد الكوارى لينافس على منصب المدير العام لليونيسكو 2017، ودورها كوسيط نشط فى مشاكل وأزمات المنطقة يمتد من دارفور لسوريا.. هذا الطموح شجع المخابرات الأمريكية على توظيف المخابرات القطرية فى تنفيذ عمليات بدول المنطقة، سقوط إخوان مصر 2013 كان مبرراً لإعادة هيكلة الجهاز منتصف 2014، وفق خطة أمريكية تضمنت رفع كفاءته وتطويره وإمداده بعناصر جديدة، والتدريب والإعداد الفنى لقرابة 40 عنصراً بقاعدة «السيلية» العسكرية الأمريكية لمدة 3 أشهر على أيدى خبراء إسرائيليين.. إجراء أضحى لازماً بعد أن أصبح الهدف العمل ضد مصر، الدولة التى أسست المخابرات القطرية 1988.. الخلاف بين أجهزة السلطة فى أمريكا لا يفسد للديمقراطية أى قضية، ففى الوقت الذى تُسَخِّر فيه المخابرات قطر كمركز عمليات متقدم لأنشطتها بالمنطقة، يصف آدم زوبين، نائب الوزير الأمريكى لشئون الإرهاب والمخابرات المالية، قطر بأنها «تفتقر للإرادة السياسية الحقيقية، وللرغبة فى تنفيذ التزاماتها القانونية بمحاربة الإرهاب»!!.
الدعم القطرى وفّر الحياة للتنظيمات الإرهابية بالمنطقة؛ «القاعدة»، «داعش»، «طالبان»، «النصرة»، و«الإخوان»، ومعظمها يعمل حالياً فى الجنوب الليبى.. إخوان ليبيا يعتبرون المرتكز الرئيسى للتحركات القطرية، فهم ينخرطون داخل معظم الميليشيات، ويعتبرون مصدراً للمتطوعين، جناحهم السياسى، حزب «العدالة والبناء»، يعطى أولوية فى علاقاته الخارجية لقطر وتركيا والسودان، لأنهم يدعمون أنشطته وميليشياته.. مراقبة أجهزة المخابرات الدولية لحسابات «داعش» وأنصارها على وسائل التواصل «تويتر» و«فيس بوك»، أكدت أن قطر أكبر حاضنة لحسابات التنظيم فى الدول العربية والإسلامية، «دى فيلت» الألمانية نشرت تحليلاً أكد أن 50% من التغريدات الصادرة عن الحسابات القطرية تحمل خبراً داعماً أو مؤيداً لـ«داعش».. والمثير أنه بعد أن بدأت دول الرباعية حصارها لقطر، أصدرت «داعش» بياناً بعنوان «بيان نصرة إخواننا المسلمين فى قطر» أكدت فيه تضامنها مع الدوحة فيما وصفته بـ«المحنة من دول الكفر»، ما يعكس علاقة الارتباط بين التنظيم وقطر.. الدوحة تقوم بجمع التبرعات المالية لشراء أسلحة للإرهابيين، وتأمين رواتبهم والترويج لأفكارهم، و«التايمز» البريطانية نشرت وثيقة للخارجية القطرية سمتها «وثيقة المرتبات»، تضمنت كشفاً بالمرتبات التى تقوم بصرفها للإخوان وللمرتزقة بليبيا.
بمجرد نجاح الجيش الوطنى فى هزيمة مجلسى شورى «ثوار بنغازى وأجدابيا» و«مجاهدى درنة»، وطردهم فى اتجاه الجنوب، دفعت قطر بعدد من ضباطها لمدينة الجفرة، جمعوا فلول التنظيمين وأنشأوا «سرايا الدفاع عن بنغازى» يونيو ٢٠١٦، وهى الميليشيات التى شاركت فى محاولة احتلال منطقة الهلال النفطى، وفى كافة العمليات التى استهدفت بث الفوضى وإفشال الاستقرار الذى يحاول الجيش الوطنى فرضه بالجنوب.. الجيش عند اقتحامه آخر مواقع «داعش» بحى «اخريبيش»، شمال بنغازى، عثر على أجهزة اتصال تحمل أرقاماً قطرية، وصناديق أسلحة وذخيرة ووثائق تؤكد ورودها من قطر، وبجوارها الصناديق التى تم تهريبها داخلها، تحمل شعار الهلال الأحمر القطرى، لأنها كانت مرسلة باعتبارها مساعدات إنسانية!!.
فى أعقاب الغارات الجوية المصرية على مواقع التنظيمات الإرهابية شرق وجنوب ليبيا مايو 2017، عقدت عناصر من المخابرات القطرية اجتماعاً بمصراتة ضم ممثلين عن الإخوان، والجماعة المقاتلة، و«أنصار بيت المقدس»، وممثلاً للمخابرات التركية، لوضع ما يسمى بـ«بنك الأهداف» المصرية، والتخطيط للتعامل معها.. قطر وضعت خطة لإيجاد دويلة جديدة لـ«داعش» فى الجنوب الليبى، كبديل لتلك التى سقطت فى العراق وسوريا، ما يفسر توسطها فى الخلاف بين قبيلتى التبو والطوارق، لخلق مرتكزات محلية تسمح لها بحرية العمل بالمنطقة.. الجنوب بالنسبة لها يشكل إحدى حلقات محاولاتها حصار مصر، التى بدأت عقب سقوط حكم الإخوان 2013، مستغلة للحدود الممتدة لـ1100 كم، ما ييسر عمليات التهريب والتسلل.. الجنوب زادت أهميته لقطر حتى أضحى رهانها الأخير بعد هزيمة ميليشيات الإخوان فى المواجهة المسلحة بطرابلس وانسحابها من مواقعها منتصف 2017، ثم فقدانها السيطرة على قاعدة «تمنهنت»، جنوب ليبيا، وإقرار «أنصار الشريعة» فى بنغازى بالهزيمة وحل التنظيم.
قطر تعتمد فى أنشطتها جنوب ليبيا على السودان، سواء من خلال تعاون رسمى إبان فترات تدهور علاقات الخرطوم بالقاهرة، أو استغلال ضعف سيطرة السلطة على الأوضاع فى السودان، الدوحة فتحت معسكرات تدريب فى ولايات كردفان وكسلا والبحر الأحمر لاستقبال العناصر الإخوانية الهاربة من مصر، أو القادمة من المشرق العربى، وتدريبهم بمعرفة عناصر تنتمى لـ«القاعدة»، أعضاء حركة «حسم» الإخوانية اعترفوا خلال استجوابهم بتلقى تدريباتهم فى السودان، الصادق المهدى، رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس حزب الأمة، اعترف بانتشار الفكر الداعشى بالسودان، حتى إن بعض المساجد فى العاصمة الخرطوم تقوم بنشره، وتروج له، حركة «تمرد» السودانية أكدت أن التنظيم معترف بوجوده كأى حزب، وأن أميره محمد على الجزورى يتحرك بحرية، ويلقى خطب الجمعة فى المساجد، رغم بيعته العلنية لأبوبكر البغدادى، «التجمع العالمى المعارض لنشطاء السودان» كشف أن تنظيم داعش الإرهابى أقام مراكز تجنيد بالسودان لاستقبال وتدريب العناصر الجديدة، سواء السودانية أو القادمة من الخارج.. تشاد قطعت العلاقات مع قطر، والنيجر استدعت سفيرها فى الدوحة، ما يفسر هرولة «تميم» لزيارة مالى ديسمبر 2017، لاحتواء موجة المقاطعة.
قطر وإخوان ليبيا يشكلان قاعدة مثلث الشر الذى يستهدف مصر انطلاقاً من الجنوب الليبى، تركيا تستكمل قمة المثلث، والمؤامرة تدار فى أغلب الحالات من إستنبول، تفاصيل ذلك الجمعة المقبل إن شاء الله.