قصة بلا عنوان
جميلة الميهوب
بردٌ، مطر وريح، صباح بائس حزين، كنت وحدي من بين كل المرضى المحاطين بعائلاتهم. منظرُ محلولِ الكيماوي مُرعبٌ ومُخيف، جسدي يرتعد. أبكي بحزن وألم بصوت مكتوم، بعد محاولات مستميتة تمكنتِ الممرضات من تثبيتي على الكرسي.
ملاكٌ كانت على يساري، جالسة على ركبتيها، تمسك بيدي تحاول أن تكلّمني وتلهيني. ملاك أخرى على يميني، تحاول تركيب الإبرة في ذراعي. وملاك ثالثة واقفة بجانبي، تحضنني ودموعها تتساقط على جبهتي.. كنّ أربع ممرضات كَنَديّات ومعهن مترجم مصري، بعد جهود جبّارة ثبّتن الإبرة في يدي وانصرفن…
بعد انصراف الممرضات، سرعان ما أحسست بالكيماوي يسري في عروقي. جسمي يرتعد بقوة أكبر وأكبر، وبكائي صار مسموعاً. كنت أحرِّك يدي اليسار كأني أبحث عن شخص ينتشلني… رأيت نظرة الشفقة والعجز في عينَي المترجم الذي كان من المفترض أن ينصرف، لكنه آثر البقاء والجلوس بجانبي منكِّساً رأسه…
طلبتُ منه أن يُحضر مصحفاً من حقيبتي. أحضره ووضعه في يدي. كان المصحف يقع من يدي كلما حاولت فتحه. يعيد المترجم المصحفَ مرة أخرى إلى يدي. يقع. مرة أخرى. يعيده ويقع. يعيده ويقع، وهكذا…
– ما رأيك أن أفتح على السورة التي تريدينها فأقرأ وأنت تقرئين ورائي؟
أخذ يدي ووضعها بين يديه. بدأ يقرأ وأنا أقرأ وراءه.. يقرأ وأنا أقرأ وراءه.. ساعة أو أكثر. إلى أن أحسّ بأني هدأت…
بعد مدَّة عرفتُ أن المترجم المصري مسيحي.