في ليبيا.. التناقضُ بين الدعوة لحقوق الإنسان وانتهاكها
آلاء الفرجاني
جعلت التكنوُلوجيا شعوب وقبائل العالم أكثر ترابطا وتقاربًا معرفيًا رغم اختلافاتها وتعدد دياناتها، في تجسيد لما بات يصطلح عليه بـ “العولمة”، وبرزت في الساحة الكثير من المصطلحات التي باتت محل مناقشة وقد يتفق عليها أو تظهر بعض الخلافات حولها، لعل من أبرزها مصطلح حقوق الإنسان الذي بات شائعًا ومتعارفًا عليه دوليًا.
المفاهيم الدينية والاعتقادات أيضا تعد من المسائل النسبية بين مختلف الثقافات والشعوب، ومن الطبيعي جدًا وجود تفاوت في مفاهيم هذه الحقوق، فما هو مقدس عند البعض قد لا يعيره الآخرون أي اهتمام، وفي بعض الحالات تُظهِر تصرفات بعض الشعوب عكس ما تدعي من قيم موروثة ذات سماحة ولين، فتجنح نحو أعمال وتصرفات أبعد ما تكون عن مفهوم الإنسانية.
من الأمثلة على هذه التناقضات ادعاء بعض الدول المصنفة أنها إسلامية وتتمسك بقيم الإسلام، في وقت تفتقر لأبسط مقومات حقوق الإنسان التي لطالما دعت إليها رسالة الإسلام، فليبيا تشهد بصورة يومية انتهاكات لحقوق الإنسان على كافة المستويات، رغم أنها سبق ووقّعت عددا من الاتفاقات الدولية مثل اتفاقات جنيف عام 1956، وبروتوكول “حماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة”، والبروتوكول الثاني المتعلق “بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية” في 1978، كما وقعت على اتفاقية حقوق الطفل في 1993، وهي عضو في منظمة التعاون الإسلامي منذ عام 1969، ووقّعت على كل اتفاقيات منظمة العمل الدولية الثمانية الأساسية.
هذه التناقضات تكشف التباين الفاضح بين توقيع الاتفاق نصًا والعمل به، وفيما يخص قضايا المرأة التي نقرأ ونسمع يوميا عن حالات الانتهاكات التي تتعرض لها، وحرمانها من أبسط حقوقها، على الرغم من توقيع ليبيا على اتفاقية “سيداو” في 1989، الملزمة أساسا بتطبيق أحكامها، وتنص على القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ضد المرأة، وهو ما يمكن اعتباره مثالا صارخا على التناقض والازدواجية كهذه، مع استمرار القيود المفروضة على النساء في ليبيا، الأمر الذي يخلّف شروخاً عميقة في النفس الإنسانية، ويخلق تصدعات وانقسامات داخل المجتمع الليبي.
إن التنشئة الصحيحة لفرد منفتح العقل خال من العقد النفسية والتقسيمات المريضة للمجتمع، هي الكفيلة بنشر القيم الإنسانية وتعزيز حقوق الإنسان، إلى الحد الذي تصبح معه هي المعيار الحقيقي للتصنيف، بعيدا عن الجنس أو اللون أو القومية أو الدين، وهو تماما ما خلص إليه الفرنسي “ايف ماديو” صاحب كتاب “حقوق الإنسان والحريات العامة”، حين اعتبر أن “دراسة الحقوق الشخصية المعترف بها وطنياً ودولياً، والتي في ظل حضارة معينة تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى”.
إذًا… في دولة مثل بلدنا ليبيا، على من يقع اللوم بالتحديد في الابتعاد عن حماية حقوق الإنسان؟ على الأفراد العاديين أم السلطات الحكومية التي تمتنع عن سن قوانين حامية ورادعة لمنتهكي تلك الحقوق؟ أم أن لغياب الوعي المجتمعي السليم دور في ذلك؟
ربما تكون كل تلك الأسباب مُجتمعة