في خمسينية “عامر جمعة”
محمد بالطة – صحفي رياضي
قد يجف قلمي ولا مبالغة في ذلك إذا أمعنت الاسترسال في سيرة الخال الوحيد عامر جمعة ذلك لأنني افتخر فخرا كبير بعلاقتي الاستثنائية بهذا الرجل القامة الذي كان وما يزال مضرب الأمثال في شخصيته الفريدة المتفردة الموشحة بالمثل العليا، علاقة تجاوزت بكثير علاقة الابن بخاله ولامست سقف الروحانيات .
عندما فتحت عيناي على الدنيا في مطلع الستينيات وجدته أمامي بعد أبي الراحل رحمه الله وأمي الغالية حفظها الله فهو الخال المبجل من كل ـفراد العائلة.
كان طفلا في المهد عندما حط الرحال بأسرته الصغيرة، والده ووالدته وأخواته بطرابلس كان ذلك مطلع الخمسينات حيث استقر المقام بجدي جمعة علي العروي العلوي الترهوني بمنطقة عرادة بسوق الجمعة وهناك بدأت رحلته سعيا وراء الرزق في زمن العوز والفقر فعمل بمختلف الأعمال اليدوية والحرفية وأبرزها الزراعة وبرع فيها براعة ميزته عن غيره، تلك كانت محطة عامر جمعة الأولى في الوجود وبداية الطريق لتحقيق الأحلام والتطلعات وبدأ خطواته الأولى في المدارس وتدرج عبر مراحل التعليم وتخرج معلما من معهد ابن منظور مطلع السبعينيات.
استهوته الرياضة وكرة القدم مثله مثل أبناء جيله وتملكته ملكة الكتابة فبدأ رحلته مع القلم والصحافة لتتواصل رحلته الحافلة بالعطاء والبذل والعمل بصمت ونكران للذات متنقلا بكتاباته بين مختلف الصحف والمجلات المحلية والعربية وغيرها مجسدا بقوة قيمة العمل بصمت وسط المشاق خاصة في زمن كان فيه العمل الصحفي أشبه بالمحرقة اليومية .. كتب آلاف المقالات في عشرات المطبوعات وسهر في المطابع حتى الصباح وشارك ومثل ليبيا في الكثير من المحافل الرياضية على مدى نصف قرن منحه ذلك خبرة واسعة في التحليل الرياضي المنطقي والتقييم الواقعي للأحداث الرياضية وكثيرا ما تكون توقعاته لها صحيحة وفي محلها !!
تعفف عن المناصب التي كانت تأتي إليه ويرفضها ويزكي إليها غيره بكل تواضع ونكران للذات !!
عامر جمعة فخامة الاسم تكفي … وهل تكفي هذه الأسطر لكي توفيك حقك .. لا وألف لا .. رجل إعلامي تربوي بامتياز أعطى أكثر من الكثير ولم يجن غير القليل.
في التعليم تتلمذ على يديه الآلاف من التلاميذ والطلبة الذين أصبح جلهم رجال فاعلين في مختلف المجالات ومنهم الطبيب والمهندس والضابط وغيرهم من مشاهير الرياضة والثقافة والفن أنا شاهد على مشاعرهم الصادقة الفياضة نحوه عندما يلتقيهم في اللقاءات العابرة .
في الصحافة تبصرت واتسعت على يديه مدارك العديد من الإعلاميين والأقلام الصحافية الذين أخذوا طريقهم وبتشجيع منه إلى محطة الامتياز والنجاح لم تتوقف شخصية الخال الفريدة عند المحطة المهنية فهو الرجل الاجتماعي بامتياز الذي يحرص حرصا كبيرا على صلة الرحم والتواصل مع الأقارب والأصدقاء والزملاء والمعارف ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم يواسيهم في أحزانهم ومرضهم وعلى بساطته لا يتوانى عن مساعدة كل من يطرق بابه، إنسان يملك الكثير من الحكمة والبصيرة الحادة والفراسة في التعامل مع أمور الدنيا وتقلباتها ودائما تكون تدخلاته حاسمة في الإصلاح وحل المشاكل بدون عاطفة أو مجاملة.
رجل قرأ العشرات من الكتب الدينية والتاريخية وكتب الأدب العربي و الشعر الجاهلي مازالت ذاكرته ورغم تقدم العمر تتقد بما رسخ فيها من تلك المطالعات في سنوات كان فيها للكتاب قيمته، رجل متسامح إلى أبعد الحدود يقابل السيئة بالحسنة ويرمي وراء ظهره لأنه يدرك بأن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
أخيرا أقول بأن عامر جمعة هو خالي الوحيد لذلك ربما تكون شهادتي فيه مجروحة لكن ما قلته في حقه هو الحقيقة بعينها، الحقيقة الساطعة سطوع الشمس في ظهيرة أشد أيام الصيف قيظا.