غسان سلامة أم بول بريمر؟
طه البوسيفي
بول بريمر، أمريكي الجنسية، كان حاكماً مدنيا للعراق حين عينه جورج بوش الابن بعد الغزو والإطاحة بحكم صدام حسين، غسان سلامة، لبناني الجنسية يعمل مبعوثاً أممياً في ليبيا، يرأس بعثة للدعم مهمتها معلنة وواضحة من عنوانها، سدّ الفجوات بين الليبيين ومساعدتهم على رأب الصدع، وليس غير ذلك، لكن هل يمارس سلامة دوره على هذا النحو؟ وهل كان ملتزماً هو وبعثته طيلة فترة بقائه بأن يكون داعماً لمبادرات الحل لا فارضاً لها ومهمشاً لما لا يتوافق مع ذهنيته، ومزاجه الذي يبدو أنه متقلب وصبره الذي يظهر للعيان أنه ضيق !!
مارس سلامة كثيراً من التعسف، تجاوز دوره المنوط به، صار يذهب لمجلس الأمن كي يمارس فعل الوشاية بحق شخصيات ليبية، يخرج من وسط مجلس الوزراء مهدداً، يُخرج بيانات يسمي فيها أسماءً تعرقل اتفاق وقف إطلاق النار !! الهش أصلاً، يطالب مغلقي حقل الشرارة بفتحه، ليس فقط، بل يستعمل كلمة فوراً بصيغة الأمر المستفز الذي يأتي من الخارجي ضد ابن بلدك؛ حتى لو كان عاقاً، هل هذا شخص داعم؟ أم حاكم؟ مبعوث أممي؟ أم مندوب سامي؟
يخطر لي أن أرى غسان بين الحين والآخر مندوباً سامياً في ليبيا، وهي صفةٌ تجاوزها الزمن، كانت تمنح لشخصيات تُكلَّف بإدارة شؤون الدول المحتلة المستعمرة، أوجدها الفرنسيّون والإنجليز تحديداً في أراضي الشام، سلامة جريء وهذه حقيقة، لكنه يمارس تهميشاً متعمداً لمبادرات حكم عليها بالفشل مسبقاً، وهذا يتعارض مع دور البعثة الداعم بالأساس، سلامة لا يتواصل مع مجلس النواب، سلامة أسهم في جعل المجلس الرئاسي فرضاً كالصلاة والزكاة، سلامة جاء بستيفاني كي يستغل شنة ورنة أمريكا. بات يتحدث عن الترتيبات الأمنية وكأنه راعيها، والإصلاحات الاقتصادية وكأن مصيره بمصيرها! ما رأيته من سلامة وفيه، لم يسبق أن لمحته حتى في كوبلر، في ليون، وحتى في ابن بلده طارق متري.
أعلم يقيناً أن سلامة يقوم بملء الفراغ الذي عجزت الحكومة والمجالس الأخرى عن شغله فظل شاغراً لمدة، أدرك أيضاً أن الداخلَ يعوّلُ على الخارج، ثقةً في منتوجه وإيمانا بجودة مخرجاته وأيضاً بسبب انعدام الثقة بين الداخليين، متأكد كذلك بأن ثمة اعتقاد سائد يقول إن القضية الليبية قد دُوّلَت وصارت كرة تتقاذفها أقدام اللاعبين الدوليين، وهذا ما يجعل من حظوظ المندوب السامي! أقصد المبعوث الأممي وافرةً في تقديم المقترحات وتنفيذ الأجندات وفرض الرأي وتثبيت الأجسام ونفخ الروح في أجسادها، حتى وإن كانت عبر تحجيم مجالس أفرادها منتخبون في عمليتين شهد العالم والأمم المتحدة ومن أرسل سلامة بنزاهتهما.
في حفل افتتاح مرافق لتدريب الشرطة، حضر سلامة، جلس على كرسي بجانب رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليا ووزير خارجيته ووزير داخليته، أجرى حواراً مع وسيلة إعلام قال فيه حرفياً : هذا اليوم المفصلي، حيث ((ننتقل)) من تدريب المدربين إلى تدريب الضباط !! أوه ماي غاد، ما علاقة سلامة حتى يقول ما قاله، ولماذا قال ننتقل، واستعمل تصريف الفعل المضارع بحرف النون بصيغة التبني للفعل، سيرد شخص _وهذا من حقه _قائلاً : سلامة يرأس بعثة للدعم، والبعثة قد دعمت افتتاح مرافق التدريب، فأين الغرابة في قول سلامة؟
الغرابة أنه يأتي امتداداً لدور أكبر من اللازم يمارسه المبعوث الأممي، عبر إمساكه بالعصا والتلويح بها، عبر نسب التقدم في الخدمات للبعثة، عبر تبنّيه المفرط لسياسات الدّولة، عبر التأثير على صنّاع القرار في شغل مناصب حساسة والمجيء بشخصيات جدلية، عبر تهديداتٍ يطلقها لأبناء البلد، أبناء هذا الوطن وأكرر حتى وإن كانوا أبناءً عاقين.