“عيد المولد” على الأبواب، و”الجدل” لم يتغير
المؤسسات الليبية المهمة جميعها منقسمة منذ وقت طويل، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا، وربما في يوم ذكرى ولادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيتجلى هذا الانقسام بين المؤسسات الدينية ومفاهيمها المختلفة، وهي بالمناسبة، كثيرة جدا في ليبيا.
هيئة الأوقاف في حكومة الوفاق التي تتخذ العاصمة طرابلس مقرا لها أصدرت في 6 نوفمبر الجاري بيانا تدعو فيه خطباء المساجد أن يحتفلوا بمناسبة المولد الكريم، وأن الليبيين في حاجة ليعرفوا سيرة نبيهم ويقتدوا بها، ومشددين على نقد المظاهر الهدامة من الألعاب النارية والمفرقعات وإشعال النيران
بينما في الجهة الشرقية من البلاد، فموقف الهيئة العامة للأوقاف التابعة للحكومة المؤقتة ربما لن يتغير عن البيان الذي يصدر كل عام في تاريخ المولد، حيث تعتبر الأوقاف التي تقول إنها “سلفيّة” أن “عيد المولد” بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فهم يعتبرون أن أسلافهم لم يفعلوها، وكل ما لا يفعله السلف لا يفعله الخلف. وهم يشبهونها باحتفال المسيحيين بولادة النبي عيسى عليه السلام في نهاية كل سنة.
المحنة الاجتماعية بين أفكار الهيئتين مازالت مستمرة، فهذه ليست النقطة الوحيدة التي تظل محل جدل، فهناك زكاة الفطر أيضًا التي في كل موسم تظهر النقاشات الحادة بين المدارس الفقهية، والتي تصل أحيانا إلى التكفير والتبديع والتفسيق، على خلفية جواز إعطائها نقودا بدلا من الطعام والعكس. وكثيرا ما انتقد المواطنين هذه المناقشات التي بلا فائدة، كونها تزيد من التشظي والانقسام بين الليبيين ولا تمثل “قيمة” مفهوم الزكاة والمراد تحقيقه من خلالها.
وبالرغم من هذا فإن أطيافا واسعة من الليبيين سوف يحتفلون كلل عام بعيد المولد النبوي حتى بعد تحذيرات الأوقاف في المساجد ومراكز التحفيظ والوعظ، فالمولد صار واحدا من المناسبات الموسمية مثله مثل الأعياد الرسمية تماما، حيث يكون توقيتا مثاليا للقاء العائلات والأسر وجمع الشتات حول مائدة “العصيدة” وطواف الصغار في الشوارع يحملون القناديل المضاءة ويغنون الأهاجيز الشعبية القديمة التي تدل على إرث عيد المولد الذي تقيمه الأجيال عاما بعد الآخر
إضافة إلى تأدية الواجبات الاجتماعية التي قد يقصر فيها الناس بسبب العمل أو الغربة أو المشاكل التي لم يسلم منها أحد، وفرصة أيضًا لاستعراض مآثر النبي الكريم وسيرته العطرة، ولا يجدون في ذلك حرجا، أو بدعة.
ناهيك على أن الخلفية الدينية الليبية هي خلفية أشعرية مالكية وسطية تماما، وهي أيضًا متأثرة جدا بالطريقة السنوسية “الصوفية” التي أسسها محمد بن علي السنوسي لتكون لها زوايا في مختلف بقاع ليبيا موجودة حتى هذا اليوم، وانبثقت منها حركة الجهاد الليبي ضد الاستعمار. كما إن الآباء والأجداد الليبيين كانوا يحتفلون بالمولد وبعاشوراء ولهم العديد من العادات والتقاليد والطقوس التي تحاربها الجماعات السلفية، وخصوصا المتمثلة في هيئة أوقاف الحكومة المؤقتة، حيث تعتبر هذه العادات صنوفا من البدعة ويجب محاربتها والقضاء عليها.