عندما ينشئ “دكتاتور قوي” حزبه السياسي الخاص
الأنظمة الدكتاتورية تصبح في الغالب "دول فاشلة"
ترجمة خاصة لـ(218)
كتبت إيريكا فرانتس في “Democratic Audit”
حوالي 40% من الدكتاتوريات رَأَسَها حاكم قوي، القذافي في ليبيا وعيدي أمين في أوغندا مثالان واضحان. هذه الأنظمة مرشحة لأن تصبح ديمقراطية لو أن قادتها أنشأوا أحزابهم السياسية الخاصة. معظمهم يفعلون ذلك ليقلصوا خطر قيام انقلاب عسكري، لكن الأثر الذي يتركه ذلك هو خض النخبة وفتح إمكانية للدمقرطة.
ينظر إلى الدكتاتوريات عموما على أنها أنظمة وحشية عديمة الشفقة، حيث تتركز السلطة بشكل بالغ في يدي فرد واحد.
الأمثلة تتضمن ليبيا تحت معمر القذافي وتركمانيا تحت سبارامراد نايازوف. أنظمة كهذه – يشار إليها عادة بالدكتاتوريات الفردانية – تصور حكاما أقوياء يحكمون حكما نمطيا لا تقيده سوى قيود قليلة. فقد يرتدي القائد زيا عسكريا (مثل عيدي أمين في أوغندا) و/ أو يحكم بواسطة حزب سياسي (على غرار تحالف صدام حسين مع حزب البعث في العراق)، إلا أنه لا الحزب ولا الجيش يمتلك أي دور حقيقي بشأن الخيارات السياسية.
طبعا هذا القالب لا ينطبق على جميع الدكتاتوريات. فسنغافورة تحت حزب الفعل الشعبي (دكتاتورية الحزب) وميانمار تحت مجلس الدولة للتنمية والسلم (دكتاتورية عسكرية) مثالان جيدان. في مثل هذه الدكتاتوريات تكون السلطة أكثر توزيعا إلى حد بعيد بين القائد والفاعلين السياسيين الآخرين، ويكون القادة، بالتبعية، بعيدين إلى حد ما عن أن يقرروا السياسات الأساسية منفردين.
قطع الباحثون شوطا طويلا في إيضاح أن دكتاتوريات عدة لا تتطابق مع التصور الشائع، إلا أن العقود الأخيرة شهدت بروزا في النمط العام لنظام الحكم الشمولي. ففي نهاية الحرب الباردة كان 23% من الدكتاتوريات أنظمة فردانية، وقد تعاظم هذا الرقم حيث وصل إلى 40% في 2010. وهذه زيادة دراماتيكية ومثيرة للمتاعب بالنسبة إلى المجتمع الدولي. فمن بين الدكتاتوريات تكون الأنظمة الفردانية الأكثر تنمرا، وبها أعلى معدلات الفقر ومن المرجح أن تؤول إلى دول فاشلة. ومن المهم ملاحظة أن الدكتاتوريات الفردانية أقل قابلية من سواها من الدكتاتوريات للدمقرطة. 36% فقط من الدكتاتوريات الفردانية آلت إلى الديمقراطية عبر نقل السلطة (أنظمة أخرى تحولت إلى نظام سلطوي جديد)، مقارنة بـ 50% من كل الدكتاتوريات الأخرى.
ورغم دمقرطة الدكتاتوريات الفردانية غير مرجح، إلا أنه يحدث بمعدل حالة من ثلاث حالات. بيد أنه لا يوجد، حتى الآن، سوى فهم قليل حول لماذا. في مقال أخير بعنوان “سبل الدمقرطة في الدكتاتوريات الفردانية” حددنا، آندريا كندال تيلور وأنا، عاملا يزيد من غرابة الدمقرطة في الدكتاتوريات الفردانية: إنشاء حزب سياسي.
لقد وجدنا أن الدكتاتوريات الفردانية التي تنشيء لها أحزابا سياسية – إما للدخول في منافسة انتخابية قبل الاستيلاء على السلطة (مثل كامبو 90 في بيرو تحت ألبرتو فوجيمورو) أو وهي في السلطة (مثل روسيا المتحدة تحت فلاديمير بوتن) – مرشحة للدمقرطة أكثر من أولئك الذين يضمون قوتهم إلى حزب قائم، (مثل حزب العمل الكونغولي في جمهورية الكونغو تحت دنيس ساسو نغويزو) أو الحكم بدون حزب (مثل كيرغستان تحت أسكار أكاييف).
إنشاء حزب سياسي في ظل الفردانية يحرك آليتين أساسيتين تخلقان فرصا للدمقرطة. أولا، تغذي تحريك الجماهير سلميا (على عكس التحريك العنفي لها) وهذا يزيد بشكل أساسي من فرص الدمقرطة. فجميع الأحزاب السياسية تجعل نزول المواطنين إلى الشوارع للإعلان عن احتجاجهم أكثر سهولة، إلا أن إنشاء الحزب ينمي فرص أن يكون تكرار تلك الاحتجاجات سلميا.
لمعرفة السبب نحتاج إلى النظر في الهدف من إنشاء الحزب. أظهر البحث أن القادة في الدكتاتوريات الفردانية ينشؤون، في عمومهم، الأحزاب للتقليل من التهديد العسكري الماثل باستمرار لحكمهم. فتكوين الحزب يمكنهم من أن يكونوا أقل اعتمادا على الجماعات المسلحة الأخرى (مثل القوات شبه العسكرية) لحمايتهم من خطر انقلاب عسكري. قادة الدكتاتوريات الفردانية الذين يتحالفون مع حزب تقليدي أو يحكمون بدون حزب لا يمتلكون هذا الرفاه. وكمثال، أمين استولى على السلطة في أوغندا سنة 1971 وحكم دون مساعدة حزب، وبسبب خطر الانقلاب العسكري الماثل قام بتطهير الجيش من العناصر المشتبه في ولائها لسلفه، ليحل محلها حلفاء، وكون مجموعات برلمانية جديدة في مواجهة الجيش. كما أن وفرة الأجهزة الأمنية لتكون موازية للجيش ينمي فرص استخدام العنف عند حدوث احتجاجات. الوحدات شبه العسكرية هي، عادة، أول ما يلتفت إليه الدكتاتور في مواجهته الاضطرابات الداخلية، وهذه الوحدات تكون عادة أقل ترددا من الجيش في استخدام القوة ضد مواطنيها.
ثانيا، عادة ما يقود تكوين الحزب إلى القطع مع حلقات النخبة التقليدية وإلى تغيير جوهري في مكونات النخبة التي تزدهر من السيطرة على السلطة. فعندما يكوِّن القادة أحزابا سياسية جديدة يميلون إلى تجنيد أعضاء الحزب وقياداته من شريحة جديدة من السكان. هذا الخض للطرق القديمة في تسيير الأمور يفتح الباب لتغيير الاتجاه بعيدا عن الوضع الراهن، ويخلق بالتالي إمكانيات للإصلاح السياسي الموالي للدمقرطة. ومثال جورجيا يوضح هذا بشكل جيد. ففي منتصف التسعينيات كون إدوارد شفرنادزه اتحاد مواطني جورجيا وملأ الحزب بشكل فعال بالشباب المنفتحين على الإصلاح. كان أحدهم ميخائيل ساكاشفيلي. وعلى الرغم من أن بعض زملائه كانوا مستعدين للقبول بالتقدم الوئيد للإصلاح في جورجيا، إلا أن ساكاشفيلي كان نافد الصبر وسرعان ما نشأ عن ذلك صدع بين الإصلاحيين الشباب والحرس القديم الخائفين من التغيرات الكبيرة. هذا الانقسام هيأ، في النهاية، المسرح للديمقرطة في جورجيا سنة 2003. وإذا ما ضُمن أن النخب الجديدة المجندة في الحزب لن تكون دائما ذات توجهات إصلاحية أكثر من الأفراد الذين تحل محلهم، فإن اضطراب حلقات النخبة التقليدية، على الأقل، يولِّد هذه الفرصة.
إذا ما أخذنا الآليتين اللتين حددناهما مجتمعتين، فإنهما تقترحان أن إنشاء حزب في الدكتاتوريات الفردية يتيح فرصا للتحول للدمقرطة لا تتوفر في حالة دكتاتوريات فردانية أخرى. الدليل على هذا: من بين الدكتاتوريات الفردانية، فإن تلك الدكتاتوريات التي تنشيء أحزابا سياسية لديها فرص أعلى في الدمقرطة من تلك التي لا تفعل هذا الشيء. الدمقرطة، بالطبع، لن تأتي بين ليلة وضحاها إلا أنها مرجحة على المدى البعيد.
صعود الدكتاتوريات الفردانية عبر العالم منذ نهاية الحرب الباردة ارتبط بسياسات عدوانية مؤذية هي من طبيعة هذا النوع من الدكتاتورية، وهذا يعني أن إيجاد طرق لتشجيع الدمقرطة في الأنظمة الفردانية يحوز أهمية خاصة. خلاصات دراستنا تقترح أنه، على الرغم من أن الدكتاتوريات الفردانية هي نسبيا غير مرشحة لأن تصبح ديمقراطية، إلا أن جهود الترويج للديمقراطية مرشحة أكثر لأن تكون فاعلة في الأماكن التي تنشيء فيها مثل هذه الأنظمة حزبا سياسيا.
- هذا المقال يمثل وجهة نظر الكاتبة وليس ” “Democratic Audit.
إيريكا فرانتس: أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة ولاية مشيغان. وهي تدرس السياسات السلطوية [الشمولية] مع التركيز على الدمقرطة والصراع والتنمية. كما أنها مهتمة بالأمن وتطبيقات السياسة في الحكم الاستبدادي.